"شلل الاستيراد".. آخر أزمات قطاع النقل في اليمن

[ ميناء عدن- ت/ عبود اليزيدي ]

أطلت من جديد أزمة الموانئ اليمنية التي تعد ورقة رئيسية في الصراع الراهن بين مختلف الأطراف، الأمر الذي عصف بقطاع النقل اليمني وعمليات الاستيراد وفاقم شح السلع الضرورية. 

وأدى آخر اعتصام لعشرات من العسكريين المطالبين بصرف رواتبهم إلى إغلاق الطرق المؤدية إلى ميناء عدن الذي يعتمد عليه اليمن منذ نحو عامين في استيراد السلع الغذائية والاستهلاكية والأدوية وغيرها من الاحتياجات التي كانت تورد عبر ميناء الحديدة غربي البلاد.

هذه المشكلة تأتي امتداداً لسلسلة من الأزمات التي تضرب الميناء الواقع جنوب اليمن والذي يعتبر من المواقع الاستراتيجية البحرية في المنطقة التي تشهد صراعا واسعا في مسارات متعددة، إذ لا تتوقف الحركات الاحتجاجية العمالية والتبعات المؤثرة للسيطرة العسكرية على الميناء.

في السياق، يقول الخبير الملاحي، مصعب القطيبي، إن وضعية وأهمية ميناء عدن في الصراع الدائر في اليمن باعتباره أحد أهم أهداف التحالف خصوصاً دولة الإمارات، جعلته في وجه عاصفة من الأزمات المتفاقمة التي تهدد بإيقافه بشكل تام وتعطيله وقد تؤدي إلى تدميره وعزله عن المنظومة البحرية اليمنية.

ويضيف الخبير الملاحي لـ"العربي الجديد"، أن تحويل خطوط الملاحة من الحديدة إلى عدن جعل الإيرادات التي يتم تحصيلها منه محل أطماع الجهات والقوات المناوئة للحكومة الشرعية التي كانت إيراداتها الرئيسية الوحيدة تعتمد بشكل رئيسي على ميناء عدن قبل إعلان الانتقالي الجنوبي ما يسمى بالإدارة الذاتية.

وحسب مصادر ملاحية مطلعة لـ"العربي الجديد"، فقد دفع الوضع الراهن في ميناء عدن المنظمات الإنسانية لنقل السفن التي تحمل على متنها شحنات المساعدات الدوائية إلى ميناء صلالة بسلطنة عمان وذلك بعد أن توقفت السفن لمدة طويلة في الميناء بانتظار تفريغ حمولتها الأمر الذي يشكل تهديداً على صلاحية الكميات الدوائية والطبية والمساعدات الغذائية المعرضة للتلف.

وانعكس تعطيل أهم الموانئ اليمنية المتمثل بميناء الحديدة على الحركة الملاحية في اليمن بشكل كبير، وذلك منذ تحويل خطوط الشحن التجارية في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 من هذا الميناء الذي كان يستقبل أكثر من 70% من السفن والبواخر التجارية.

وضعية ميناء عدن الذي يعاني من أزمات متلاحقة وسيطرة كلية لقوات عسكرية تتبع مباشرة المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً، تتسبب في اضطراب الحركة التجارية وانخفاض المعروض من السلع الغذائية والاستهلاكية وارتفاع في أسعار السلع وبالتالي مضاعفة الأعباء المعيشية لليمنيين.

التاجر عبد الولي طاهر، يعتبر ان الاستيراد عبر ميناء عدن مهمة شاقة يواجهها القطاع التجاري والمستوردون في اليمن ويلقي بظلال قاتمة على حركة النقل وتداول السلع وانعكاساتها على الوضع المعيشي للمواطنين الذين يواجهون تضخما شديدا في أسعار مختلف السلع بسبب هذه الوضعية والتبعات الناتجة عنها.

ويؤكد طاهر لـ"العربي الجديد" أن القطاع التجاري يواجه عديد المعضلات منذ تحويل خطوط الشحن إلى ميناء عدن، والتي رافقها ارتفاع رسوم الشحن البحري وتكاليف التأمين والفوضى التي تجتاح الميناء والتي تؤدي إلى تأخير تفريغ السلع والبضائع والتكاليف الباهظة الناتجة عن هذا التأخير، إضافة إلى الجبايات الممتدة من الميناء إلى المدن والمناطق اليمنية عبر طرق وعرة وشاقة ومكلفة للغاية. 

وكان ميناء الحديدة يغطي المحافظات والمناطق اليمنية المكتظة بالسكان التي تفاقمت معيشتها مع تصاعد الأزمة الغذائية والفقر والبطالة وارتفاع أسعار السلع الغذائية.

قبل اتفاق استوكهولهم كانت الحكومة اليمنية أقدمت على إغلاق ميناء الحديدة وتحويل خطوط الشحن التجاري إلى ميناء عدن، حيث تتهم الحوثيين باستخدام الميناء المطل على البحر الأحمر غرب اليمن لتهديد الملاحة الدولية.

نائب رئيس مجلس إدارة مؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية يحيي شرف الدين، يكشف معلومات مهمة حيث يؤكد لـ"العربي الجديد" أن ميناء الحديدة لم يستقبل أي حاويات تجارية منذ نهاية عام 2017، ومقتصر فقط على استقبال المواد الإغاثية التابعة للأمم المتحدة، إضافة إلى انخفاض حركة استقبال السفن المحملة بالوقود التي يتم شحنها إلى الميناء بموجب اتفاق استوكهولم وذلك منذ نحو ثلاثة أشهر، مما تسبب في أزمة حادة في الوقود تضرب عديد المناطق اليمنية.

ويتضمن اتفاق استوكهولم في شقه الاقتصادي نقل آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش "يونفم" من جيبوتي إلى ميناء الحديدة للتفتيش والإشراف على السفن التي تصل إلى الميناء.

ويشير شرف الدين إلى أن الإمارات تنفذ خطة مغرضة لتدمير الموانئ اليمنية وبسط سلطتها عليها وعزلها، إذ يتم التركيز بدرجة رئيسية على ميناء عدن الذي تجتاحه الأزمات والفوضى وهي الحالة السائدة في الموانئ والمنافذ التي تحتلها حسب وصفه، فيما تقوم بإجراءات رقابية مشددة تتمثل في منع السفن من المغادرة وبقائها في المياه اليمنية، أو إجبارها على العودة إلى ميناء الحديدة رغم حصول بعضها على التصاريح التي تخولها الدخول إلى الميناء لإفراغ حمولتها.

وتصل غرامات التأخير للسفن التجارية المتجهة إلى اليمن التي تتوقف للتفتيش في عرض البحر إلى نحو 25 ألف دولار تتحملها شركات الملاحة والتجار المستوردون.

وتقدر مؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية الخسائر التي تعرضت لها موانئ البحر الأحمر والتي يعد ميناء الحديدة أهمها بنحو مليار و200 مليون دولار، جراء الحصار وتحويل خطوط الملاحة والقصف والتضييق المتواصل.

ويشكو جزء كبير من القطاع الخاص التجاري الذي يغطي مناطق سيطرة الحوثيين من استمرار إغلاق ميناء الحديدة وتحويل الشحن التجاري إلى ميناء عدن حيث ترتب عليه أعباء إضافية ومشاكل أمنية جمة للقطاع الخاص اليمني.

كما يؤكد تجار ومستوردون أن التكاليف الباهظة لنقل البضائع داخل اليمن أحد أكبر آثار الحرب الاقتصادية على اليمن، مع ارتفاع تكاليف الرسوم الجمركية والضريبة المفروضة رسميا على البضائع نتيجة الازدواج الجمركي والضريبي.

وتقدر أجور نقل حاوية بضائع طولها 40 قدما بحوالي 3 آلاف دولار فيما لا تتعدى تكلفة نقلها من بلد الاستيراد مثل الصين ما يقارب 700 دولار، وارتفعت مؤخراً نتيجة مضاعفات وتبعات انتشار فيروس كورونا إلى 900 دولار.

ووفق وثائق تحليلية عن دراسة استقصائية قامت بها غرفة صنعاء والاتحاد العام للغرف التجارية بالاستناد لبيانات التجار المستوردين أطلعت عليها "العربي الجديد" فإن تكلفة النقل من عدن (جنوب اليمن) إلى ذمار أو صنعاء وحجة (شمالاً) تبلغ 1200 دولار عن الحاوية 20 قدما.

ويؤكد الباحث الاقتصادي، بسام الدعيس، لـ"العربي الجديد" أن وضعية الموانئ اليمنية أثرت بشكل كبير في تفاقم الأزمة الغذائية في اليمن، في سياق تبعاتها الكارثية على حركة الاستيراد والتصدير وارتفاع أسعار السلع، إلى جانب تكوين فئات تجارية ناشئة أنتجتها الحرب وتحظى بامتيازات وتسهيلات عديدة من قبل أطراف نافذه تدعمها في الموانئ وعمليات الشحن البحرية والبرية.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر