لم يعد بإمكانها تغيير الأنظمة لا بالسلاح ولا العقوبات.. هل نشهد نهاية القرن الأمريكي؟

"حظيت أمريكا للتو بأزمة السويس خاصتها، لكنَّها لم تنتبه لذلك بعد"، هكذا علَّق أحد أعضاء الوفد الإيراني في المباحثات النووية بفيينا متحدثاً عن سقوط أفغانستان في يد طالبان.
 
والأمر لا يتعلَّق فقط بسقوط كابول.
 
ففي عام 2021، حصد الرئيس جو بايدن بالفعل حصاداً مريراً من أخطاء استراتيجية للسياسة الخارجية لأربعة من أسلافه. وبما أنَّه كان نائب الرئيس لأحدهم، باراك أوباما، فلديه مشكلة في رؤية الأمر هو الآخر. لقد زُرِعَت بذور كل منطقة من مناطق الصراعات العالمية الكبرى بعد الاتحاد السوفييتي، أفغانستان أوكرانيا وتايون وإيران، قبل زمنٍ طويل.
 
وما تكشَّف هذا العام هو نتاج ما لا يقل عن ثلاثة عقود من الحكم الأمريكي الفاشل للعالم.
 
فقد تشارك كل رئيس أمريكي جاء في فترة ما بعد الاتحاد السوفييتي الاعتقاد بأنَّ الملف ملفه هو، وليس شيئاً ينبغي مشاركته مع مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة. فهو القائد العام لأكبر قوات مسلحة وأفضلها تسليحاً وأكثرها قدرة على التنقل في العالم، قوات مسلحة يمكنها شن هجمات عن بُعد وبدقة هائلة. فالرئيس الأمريكي يسيطر على 750 قاعدة عسكرية في 80 بلداً مختلفاً. ولديه أيضاً أكبر الأموال، عملة الاحتياطي العالمية، لذا يمكنه الآن وضع القواعد.
 

فأي خطأ يمكن أن يقع؟

رافق هذا الاعتقاد فرضيتان أثبتتا أنَّهما معيبتان بشدة: أنَّ الاحتكار الأمريكي لاستخدام القوة سيستمر إلى الأبد –انتهى مع تدخُّل روسيا في سوريا- وأنَّ الولايات المتحدة يمكنها الاستمرار في فرض نظام عالمي "قائم على القواعد" طالما استمرت هي في وضع القواعد. قَبَرَ بايدن هاتين الفرضيتين ضمناً من خلال الإقرار بأنَّ القوى العظمى ستضطر إلى "إدارة" تنافسها لتجنُّب نشوب صراع لا يمكن لأحد الانتصار فيه.
 
لكن انتظروا لحظة.. هنالك شيء ليس صحيحاً تماماً هنا.
 

نظرية السبب والنتيجة

لا تقع الصراعات الكبرى، التي لها القدرة على التسبب في معارك الدبابات التي لم نرَها منذ الحرب العالمية الثانية، مثل أوكرانيا، هكذا وحسب.
 
بل هناك سبب ونتيجة؛ كان السبب هو القرار الأحادي، لكن في الوقت نفسه غير المثير للجدل، بتوسُّع حلف شمال الأطلسي "الناتو" شرقاً في التسعينيات، وهو ما أدى إلى التخلي عن نموذج أوروبا الشرقية منزوعة السلاح والخالية من الصواريخ إلى حد كبير الذي كانت قد جرت مناقشته مع الرئيس ميخائيل غورباتشوف قبل عقد من ذلك.
 
حدث ذلك من أجل منح الناتو هدفاً جديداً، وهو حلف عسكري انتهى الغرض منه حين انهار عدوه. وعند الحديث عن "تعزيز" الناتو للديمقراطية في أوروبا الشرقية من خلال ضمان استقلاليتها عن موسكو، سمعنا هراءً تاماً. لكن تذكَّروا المزاج العام آنذاك، كان مزاجاً انتصارياً، فلم تكن الرأسمالية هي النظام الاقتصادي الوحيد الذي تبقى وحسب، بل كانت صورتها الليبرالية الجديدة "النيوليبرالية" هي الصورة الوحيدة التي تستحق الترويج لها.
 
ولبرهة قصيرة من الوقت، أصبحت موسكو بؤرة شرقية لحمّى الذهب، أصبحت مصدراً للثروة للرأسماليين المجازفين مثل ايكيا Ikea وكارفور Carrefour والحانات الأيرلندية والمُبشِّرين بالإنجيل. في الوقت نفسه، كان الروس مهووسين بشعارات العلامات التجارية وليس بالسياسة.
 
ولم يعبأ الأمريكيون في موسكو –آنذاك- كثيراً بشأن ما كان مُضيِّفوهم الروس يعتقدونه أو يفعلونه. فقد أصبحت روسيا عديمة الأهمية على الساحة الدولية. وتباهى المستشارون الأمريكيون بكتابة المراسيم التي أصدرها الرئيس بوريس يلتسن. وردَّ يلتسن الصنيع بتسليم تصميمات أحدث دبابة روسية ومخططات أجهزة التنصُّت التي وضعتها لجنة أمن الدولة العليا (الكي جي بي) في الأساس الخرساني لملحق يجري بناؤه في السفارة الأمريكية.
 
بالنسبة للقوميين الروس، لم يكن هذا أقل من عمل خيانة، لكنَّ الباب كان مفتوحاً على مصراعيه للغرب لدرجة أنَّ كل شيء حرفياً كان يمر عبر الغرب دون اتفاق مسبق: العلماء النوويون، ومهندسو الصواريخ، وصفوة الكي جي بي، والحقائب المليئة بالنقود. من أين تظنون أنَّ الروس الذين استقروا في منطقة هايغيت شمالي لندن، أو منطقة هامتونز في لونغ أيلاند بالولايات المتحدة، أو قبرص، أو إسرائيل قد حصلوا على أموالهم؟
 
بل وأُسقِطَت كلمة "الغرب" لبعض الوقت من القاموس السياسي الروسي، لأنَّ الروس الجدد ظنوا أنَّهم قد انضموا إليه.
 

أوكرانيا.. ضحية الغرب

قضى أول سفير أمريكي إلى الاتحاد الروسي المُنشَأ حديثاً، روبرت شتراوس، وقتاً في الدفاع عما يحدث في الكرملين أكبر مما يقضيه في الدفاع عن البيت الأبيض. لقد أصبحت السفارات الغربية متحدثة بلسان روسيا التي ظنّوا أنَّهم باتوا الآن يمتلكونها.
 
قلَّل شتراوس من شأن التقارير الأولى حول صعود دولة المافيا الروسية، ووصفها بأنَّها مجرد شيء تافه. فقال لي: "هذا يشبه ما كانت عليه شيكاغو في العشرينيات". أعقب ذلك بتفاهات حول البراعم الخضراء للديمقراطية والوقت الذي كان يستغرقه جز العشب الإنجليزي، كما لو كان يعلم.
 
بالمثل، كان بيل كلينتون وتوني بلير غير مبالين بما فعلاه في روسيا.
 
فكان الجيش الروسي "أضحوكة"، فحين أرسل الروس أرطالهم المدرعة إلى غروزني عام 1994، كان الغرب يعتقد أنَّ فرقاً صغيرة من الشيشانيين قويي الإرادة يمكن أن توقفها، وكان لطياريهم زمن طيران يبلغ ثلاث ساعات فقط شهرياً، وكانت فرقاطاتهم تبحر في ثنائيات، الأولى لتسيير الدورية، والثانية لجرِّ الأولى عند تعطُّلها، وكانت غواصاتهم تغرق.
 
ومن ثَمَّ، اندفع الناتو شرقاً.
 
لم يقتنع أحد آنذاك بالحجة القائلة إنَّ كل ما سيفعله الناتو هو دفع خط المواجهة شرقاً. ولاقت نداءات روسيا للتفاوض حول هيكل أمني لأوروبا الشرقية آذاناً صمَّاء، لكنَّها لا تلقى آذاناً صمَّاء الآن، مع احتشاد 90 ألفاً من القوات الروسية على حدود أوكرانيا.
 
كانت ضحية هذا الفعل الفادح من الغباء الغربي هي أوكرانيا، التي بقيت طوال العقد الأول بعد سقوط السوفييت على الأقل على حالها وفي سلام إلى حد كبير. اندلعت الحروب الأهلية في كل مكان بالجوار، لكنَّ أوكرانيا نفسها حافظت على وحدتها السياسية والاجتماعية على الرغم من أنَّها تتألف من جماعات مختلفة للغاية. فباستثناء غرب أوكرانيا، الذي لم ينسَ قط أنَّ البلاشفة استولوا عليه من الإمبراطورية النمساوية المجرية المتداعية، كان متحدثو اللغة الروسية والأوكرانية يعيشون في سلام. 
 
لكنَّها الآن منقسمة إلى الأبد، تخشى من حرب أهلية لن تتعافى منها أبداً. ولن تستعيد أوكرانيا وحدتها المفقودة أبداً، ويعود الفضل في ذلك إلى بروكسل بقدر ما يعود للصبية  المتنمرين في موسكو.
 

الحرب الباردة الجديدة

ثم هناك الصين، فالاتجاه شرقاً لم يعنِ بالتأكيد إنهاء حرب باردة وبداية أخرى جديدة مع الصين، لكنَّ هذا يحدث الآن بشكل يتعذَّر تغييره. فليس بوسع بايدن أن يقرر التهدئة مع الرئيس شي أم مواجهته، لكنَّ القيام بكلا الأمرين على التوالي لن ينجح. 
 
ولمعرفة ما يشعر به البر الرئيسي للصين حين تمر السفن الحربية البريطانية عبر مضيق تايوان، كيف سترد بريطانيا إذا ما ظهرت السفن الحربية الصينية في البحر الأيرلندي وأبحرت بين أسكتلندا وأيرلندا الشمالية؟
 
وللعبة "إدارة" التنافس تداعيات إنسانية مدمرة بقدر ما كان للمزاج الانتصاري للقوى الكبرى في التسعينيات، ويمكن ملاحظة تلك التداعيات في أفغانستان اليوم. فأفغانستان الرئيس الأفغاني المعزول أشرف غني كانت بحق خادعة، كانت مجرد واجهة لدولة مستقلة.
 
فكان عدد مذهل يبلغ 300 ألف من القوات والجنود الموجودين في السجلات الحكومية غير حقيقيين؛ إذ قال وزير المالية الأفغاني السابق، خالد بايندا، لشبكة BBC البريطانية إنَّ "جنوداً أشباحاً" أُضيفوا إلى القوائم الرسمية حتى يحصل الجنرالات على رواتبهم. وكان الثقب الأسود في ماليات النظام السابق الفاسد سراً علنياً قبل فترة طويلة من تحديد بايدن تاريخ الانسحاب.
 
حذّر تقرير صادر عن المفتش العام الأمريكي الخاص بإعادة إعمار أفغانستان (سيغار) في عام 2016، من أنَّه "لا الولايات المتحدة ولا حلفاؤها الأفغان يعرفون عدد الجنود وأفراد الشرطة الموجودين بالفعل في أفغانستان أو عدد الجاهزين منهم للعمل، ومن ثمَّ طبيعة قدراتهم العملياتية".
 
والآن بعد إغلاق صنبور الدخل الأمريكي، أصبحت أفغانستان على شفا مجاعة شاملة. وعلى نحو مثير للدهشة، نرى الولايات المتحدة تلقي باللوم في هذا الوضع على حركة طالبان وتقرر تجميد الأموال الأفغانية الموجودة لديها لأسباب تتعلّق بحقوق الإنسان أو عمليات القتل الانتقامية الليلية ضد موظفي الدولة السابقين أو حرمان الفتيات من التعليم.
 
يمتلك البنك المركزي الأفغاني أصولاً تُقدّر بنحو 10 مليارات دولار في الخارج، من ضمنها 1.3 مليار دولار من احتياطيات الذهب في نيويورك. تستخدم وزارة الخزانة الأمريكية الأموال الأفغانية أداة للضغط على طالبان فيما يتعلّق بحقوق المرأة وسيادة القانون. منحت هذه الأموال الحكومة الأمريكية وشركاءها رخصة لتسهيل المساعدات الإنسانية والسماح لشركة "ويسترن يونيون" باستئناف عمليات التحويلات المالية الشخصية من المهاجرين في الخارج إلى أفغانستان.
 
لكن الولايات المتحدة لا تحاسب نفسها على رعايتها لدولة تعجز عن العمل بدون الأموال التي تحتجزها واشنطن لديها الآن. تتحمّل الولايات المتحدة المسؤولية المباشرة عن المجاعة التي تجتاح أفغانستان الآن. كذلك، يصعب الاقتناع بأن تحجب الولايات المتحدة الأموال عن حركة طالبان، لأنَّها استولت على السلطة عسكرياً، وليس عبر عملية تفاوضية مع أمراء الحرب الأفغان الآخرين.
 

نفس القصة

دخلت طالبان إلى كابول دون أن تطلق رصاصة واحدة، لأنَّ كل شيء انهار قبل مجيئها. لقد فاجأت سرعة انهيار القوات الأفغانية الجميع -من ضمنهم وكالة الاستخبارات الباكستانية، التي تتهمها الهند والحكومات الغربية بإدارة شبكة حقاني التابعة لحركة طالبان. لكن الدولة الوحيدة التي كانت على دراية بكل ما يحدث هي إيران، لأنَّ ضباط الحرس الثوري الإسلامي كانوا مع مقاتلي حركة طالبان أثناء تقدّمهم نحو كابول، حسبما أفادت مصادر إيرانية مقرّبة من الحرس الثوري الإيراني.
 
حتى وكالة الاستخبارات الباكستانية فوجئت بسرعة انهيار القوات الأفغانية. قال لي مصدر مُطّلع في إسلام أباد: "كنَّا نتوقع مقاومة من مديرية الأمن الوطني في مزار شريف وهراة وقندهار وقندز. كان ذلك سيقود إلى حالة من الجمود، ومن ثمَّ يتيح الفرصة لإمكانية التفاوض بشأن تشكيل حكومة أكثر تمثيلاً لجميع الأطراف".
 
لكننا وصلنا إلى ما نحن عليه الآن، "شهدنا بعض التحسينات خلال السنوات الـ20 الماضية. كانت هناك طبقة وسطى في كابول والتعليم متاح للنساء. لكن إذا أردت فقدان كل شيء، فهذه هي الطريقة لفعل ذلك. ستصبح طالبان أكثر تطرفاً إذا نفد المال من البلاد. وبناءً عليه، إذا أردت حماية العناصر الليبرالية، فيتعيَّن عليك السعى لتحقيق استقرار أفغانستان".
 
ذكر المصدر الباكستاني قائمة تضم 10 مجموعات جهادية، بخلاف المجموعة الجهادية الوحيدة، تنظيم القاعدة، التي كانت موجودة في عام 2001. ولا تعلم وكالة الاستخبارات الباكستانية ما حدث للأسلحة التي تركها الأمريكيون وراءهم في أفغانستان.
 
وقال المصدر: "نحن ببساطة لا نعرف أين انتهى المطاف بهذه الأسلحة". وعندما ضغطوا على طالبان لتشكيل حكومة شاملة، ردت طالبان قائلة: "هل لديكم في باكستان حكومة شاملة؟ هل لديكم حكومة تضم حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية – جناح نواز؟ كيف تتخيّلون الوضع في باكستان إذا وجدتم أنفسكم مضطرين إلى التوفيق بين مجموعات المقاتلين الذين قتلوا أقارب بعضهم البعض؟".
 
عندما تفتقر بشدة إلى الأموال، لن تجد المجموعات الانفصالية سوى طريق واحد تسير فيه، وهو طريق الجهاديين. وأنهى المصدر الباكستاني تحليله بالفكرة التالية: هل حقاً من مصلحة الولايات المتحدة تحقيق الاستقرار في أفغانستان؟ فإذا سمحوا بوصول الأموال، فإنَّ ذلك سيعني دعم محور الصين وروسيا وباكستان الذين يصرون الآن على دحره. لذا، فإن المحادثات المتعثرة في فيينا والأزمة على حدود أوكرانيا وتجدّد التوتر والانتشار العسكري في تايوان، كل ذلك جزء من نفس القصة.
 

أخطاء استراتيجية

يُستحسن لواشنطن أن تمعن النظر في خارطة العالم وتُفكّر ملياً قبل أن تتخذ خطوتها التالية. ثمة حاجة إلى فترة تفكير طويلة. حتى الآن، لم تنخرط واشنطن في أي صراع على مدار قرن من الزمان إلا وارتكبت فيه خطأ فادحاً.
 
باتت فرصة نشوب صراع عالمي تشارك فيه جيوش حقيقية وأسلحة حقيقية أمراً وارداً جداً، بالإضافة إلى أنَّ الاستعداد لاستخدام أسلحة الدمار الشامل. أصبحت أيضاً كل القوى العسكرية في العالم أفضل تسليحاً من أي وقت مضى، بل ولديها الاستعداد لبدء تقديم الاختراعات الخاصة بها.
 
يجب على بايدن الانتباه إلى ذلك. تقتضي المصلحة الاستراتيجية الأمريكية أن تمنع الولايات المتحدة حدوث المزيد من إراقة الدماء في ساحات القتال التي تسبّبت فيها هذا القرن. وهذا يعني أنَّه يتعيَّن على الولايات المتحدة التوصل إلى اتفاق مع إيران من خلال رفع العقوبات التي فرضتها على طهران منذ خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015. إذا كانت تريد موازنة النفوذ الصيني والروسي المتنامي في الشرق الأوسط، فإنَّ الاتفاق مع إيران هو أضمن طريقة لتحقيق ذلك.
 
لن تتخلى إيران عن صواريخها، لكن التوصل إلى اتفاق في فيينا قد يمهد الطريق لبدء مفاوضات متعلّقة بالأمن في منطقة الخليج. والإماراتيون والقطريون والعمانيون والكويتيون جميعهم على استعداد لحدوث ذلك. فإذا أرادت واشنطن تطبيق القواعد، فلتفعل ذلك أولاً مع حلفائها الذين يتمتعون بإفلات استثنائي من العقاب على أفعالهم الوحشية.
 
إذا كانت واشنطن نصيرة حقوق الإنسان، كما تدّعي، فلتبدأ بالمملكة العربية السعودية أو مصر. إذا كانت هي المسؤولة عن تنفيذ القانون الدولي، فدعونا نرى واشنطن تحاسب إسرائيل على الاستمرار في سياستها الاستيطانية، التي تضرب عرض الحائط بقرارات مجلس الأمن الدولي وبالسياسة الأمريكية الخاصة بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
 
صُمّمت اتفاقيات أبراهام لتثبيت إسرائيل باعتبارها الوكيل الإقليمي المعلن للولايات المتحدة. ولو كان دونالد ترامب قد فاز بولاية رئاسية ثانية، لكانت هذه السياسة سَتُشكّل كارثة على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. تعتقد إسرائيل بالفعل أنَّها تمتلك حق النقض (الفيتو) على القرارات الأمريكية الخاصة بالمنطقة. وإذا واصلت الولايات المتحدة منح إسرائيل هذا التفويض الكامل، فهذا يعني استمرار الصراع الذي تسبَّبت فيه قوة عسكرية كانت دائماً هي المبادرة بالعدوان.
 
تتصرف إسرائيل بمنطق قاسٍ لا يعرف الرحمة وستستغل أي فرصة لتوسيع حدودها حتى يصبح قيام الدولة الفلسطينية أمراً مستحيلاً. ربما تكون قد نجحت بالفعل في تحقيق هذا الهدف. وعلى الرغم من أنَّ هذه ليست سياسة الولايات المتحدة تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لا يزال هذا التوسّع مستمراً أسبوعاً تلو الآخر، لأنّه لا أحد في واشنطن يحرّك ساكناً لإيقافه. ويجدر التنويه بأنَّ السكوت عن الجرائم التي ترتكبها عصابات المستوطنين المسلحين ضد القرويين الفلسطينيين العزل في الضفة الغربية يعني الموافقة عليها.
 
إذا أردت أن تكون بطل تطبيق القوانين، فيتعيَّن عليك تطبيقها أولاً على نفسك. هذه هي الطريقة الوحيدة لاستعادة النفوذ العالمي المفقود. لقد دخلت الولايات المتحدة حقبة جديدة حيث لم تعد قادرة على تغيير الأنظمة بقوة السلاح أو العقوبات. لقد اكتشفت عدم جدوى مثل هذا النوع من القوة. يجب أن تُسقط عصا الترهيب من يدها وتبدأ في توزيع مغريات الترغيب. يتعيّن على الولايات المتحدة المضي قدماً في إنجاز المهمة العاجلة المتمثلة في وقف إراقة الدماء مع تفادي التضارب.
 
هذه لم تعد مسؤولية فحسب، بل هي واجب عليها بعد كل الدمار الذي سبّبته الصراعات التي أمر بها واختلقها ودعمها رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبون على مدار هذا القرن، من أفغانستان إلى العراق إلى سوريا واليمن وليبيا.
 
أي خطأ استراتيجي آخر للولايات المتحدة -وأوروبا الغربية- سيكون خطأها الأخير.
 

*ترجمة عربي بوست عن موقع Middle East Eye البريطاني.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر