حربٌ وأوبئة


محمد علي محروس

  تتنوع الأزمات الإنسانية في اليمن تباعًا، ولا تتنازل الفصول الأربعة عن وضع بصمتها في اليمنيين، إذ تتناوب عليهم الأوبئة باستمرار، من فصل لآخر، الكوليرا والملاريا وحمى الضنك ومؤخرًا الحمى الفيروسية وما بات يُعرف بالمكرفس، ودون مقدمات طويلة، تبدو تعز ومديرية الجراحي بمحافظة الحديدة أكثر منطقتين في البلاد متأثرتان من اجتياح هذه الأوبئة لها، فبقدر المعاناة المعيشية الصعبة التي نمر بها غير أن الأوبئة المتعاقبة لا تتنازل عن نصيبها منّا، سنة بعد أخرى.

في الجراحي، المديرية الوديعة، الواقعة بين مفترق طرق، على مسافة واحدة من الحديدة وتعز وإب، وذات الكثافة السكانية والزراعية، يواجه نحو مائة وخمسين ألف نسمة مصيرهم المجهول؛ جرّاء الانتشار الكاسح لوبائي حمّى الضنك والمكرفس، فالوضع الصحي هناك متردٍ للغاية، لا بنية تحتية صحية، ولا مراكز ومستوصفات خاصة بكادر متمكن، ولا حراك من ذوي السيطرة على الأرض، مليشيا الحوثي، ولا تفاعل جاد من المنظمات الصحية، التي تستطيع الوصول إليها دون مخاطر، ولا يوجد أي تبني من الحكومة الشرعية لمناداة العالم من أجل التدخل لإنقاذ حياة عشرات الآلاف من السكان المحرومين من أدنى مقومات الحياة.

حتى كتابة هذا المقال، تجاوز عدد الوفيات ثمانين شخصًا، معظمهم من الأطفال، وأكثر من سبعة آلاف مصاب، والعدد في تزايد مفزع، خلال الدقيقة الواحدة فما بالكم باليوم والأسبوع والشهر؟

كل ذلك يحدث، والحوثيون، سلطة الأمر الواقع هناك، لم يحركوا ساكنًا، فقط اكتفوا بالنزول الميداني العابر، وأخذوا لقطات تلفزيونية للمهمة العظيمة التي أنجزوها، ولم ينسوا أن يتهموا دول التحالف ويحملونها مسؤولية ما يجري، وأكدوا أن ما يسمونها دول العدوان هي من اصابت البنية التحتية للصحة في مقتل، ناسيين بأنه لا توجد بنية صحية تُذكر، ليس في الجراحي وحدها بل في الحديدة كلها.

استمات الحوثيون لتجييش الناس، وجمع مليارات الريالات، من أجل الاحتفال الجدلي بميلاد النبي محمد، وعممّوا اللون الأخضر على كل مكان، وفي المقابل لا يندرج ذلك سوى ضمن مهمتهم الأساسية والمتمثلة في صناعة الموت ونشره في كل مكان، فمن لم يمت بقذائفهم وصواريخهم وانتهاكاتهم طالته الأوبئة القاتلة، الناجمة عن سوء الإدارة وجهلهم الصحي، وتعنتهم على مواقفهم التي لا تمت للإنسان بصلة، إذ لا يهمهم سوى من كان من نسلهم وفيه شيء من السلالة المقدّسة!

على الجهة الأخرى، لا تبدو تعز مستثناة من حالة الحديدة والجراحي تحديدًا، فالوباء الحمّي يجتاح المدينة، وإن بوتيرة أقل مقارنة بالجراحي، إلا إنه يعود للإخفاقات المستمرة من قبل القيادات الصحية في المحافظة والتي انتهجت النهج النفعي على حساب صحة المواطنين وحياتهم، فالخلافات البينية على المستوى الصحي عقدت من تمام المهمّة، والحقت بتعز عار البحث عن المناصب والمكاسب دونًا عن تقديم الخدمة لمستحقيها ونيل شرف ذلك.

آلاف المصابين في تعز، وهي مدينة مكتظة بالسكان، وعدم تحجيم الوباء والسيطرة عليه، سيحدث كارثة وخيمة العواقب، وهذه مسؤولية تتحملها الحكومة الشرعية أولًا، والسلطة المحلية ثانيًا، والقيادات الصحية في المحافظة ثالثًا والمنظمات الدولية ذات الصلة لا تخرج عن دائرة المسؤولية، فالوضع حرج وبحاجة لحملات تدخل طارئة وعاجلة سواء في تعز أو في الجراحي.

إن تحمّل المسؤولية لا يقتضي حراكًا سياسيًا، وتصعيدًا عسكريًا، وحروبًا اقتصادية، بل يحتاج إلى أن نكون بالقرب من البسطاء والمساكين، الذين يحتاجون إلى مساندتنا على الدوام، خصوصًا في مواسم الأزمات التي تزور اليمن من فصل لآخر، بتلذذ تام على مرأى ومسمع الجميع، الذين يعملون على تحويلها لحملات ابتزاز وفق إملاءاتهم السياسية لا أكثر، وبما يفاقم حالة الصراع التي أنهكتنا طوال السنوات الماضية.

كونوا إنسانيين، وضمّوا أصواتكم إلى أصوات المطالبين بإصلاح المسار الصحي والتصدي لكافة الأوبئة التي جاءت بها الحرب، فالإنسان محور الاهتمام، ويكفيه ما دفعه من كلف باهظة منذ اندلاع الحرب، يكفيه معاناةً وألم.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر