رصاصة الرحمة


سلمان الحميدي

  نحن بارعون في التبرير لقساوتنا، وإلا كيف ظهرت رصاصة الرحمة إلى العلن، كيف تجتمع الرحمة مع البارود. رصاصة الرحمة بأفضل تعريفاتها: إنهاء عذابات روح ما، قطع العذاب بفعل قاس: الموت. تجد معتلًا يتعذب في مرضه، أو مسن لا سبيل لنهوضه، فتطلق عليه الرصاصة تلك. رصاصة الرحمة، هي قطع الطريق أمام أمل النجاة..

هي أسوأ اختراعات البشر المحبطة، قد نجد خلفها قصة، قد تجد معذبًا يطلب الموت ليرتاح، حتى وإن طلب ذلك، فإن أمل الحياة بداخله لا يضيع أبدًا. هو يفعل ذلك لأن ما حوله قاس، لهذا بدأت تنتشر عقاقير الموت بهدوء، الانتحار دون عذاب بمساعدة ملائكة الرحمة: الأطباء!.

في فيلم "فتاة المليون الدولار" وحين تتعرض الفتاة البائسة التي سلكت درب البطولة في حلبات الملاكمة، تتعرض للكمة قاضية، تسبب لها الشلل، كانت فقيرة تعمل كنادلة، أسرتها مفككة، بدأت تلتف حولها عندما بدأت تربح الأموال من البطولات، أمها فعلت ذلك، كان الذي يدربها أقرب الناس إلى قلبها، ظل معها في محنتها القاسية, وفي النهاية المحزنة ـ بطلب منها ـ يقوم بحقنها بالمصل المميت!.

في ذروة طغيان النازية، إبان هتلر، كان المسنون اليهود يظنون أن أعمارهم ستشفع لهم للبقاء، لا هم قادرون على الانجاب ولا يشكلون خطر على النازية، لكنهم كانوا يتعرضون لطلقات على رؤوسهم إما بدعوى الرحمة، أو لأنهم يشكلون عالة على النازية بعدم مقدرتهم على العمل، على الأقل هذا ما أظهره فيلم "قائمة شندلر".

في كرة القدم، الهدف الذي يقضي على آمال الخصم في التأهل، ويأتي في الدقائق الأخيرة ليوسع الفارق من هدف إلى هدفين، يقولون عنه "رصاصة الرحمة". إذ والفريق المنهزم يجتهد لإدراك التعادل ولو في الثواني الأخيرة، يتلقى هدفًا، فيضيع أمل التعادل. ذلك الوقت الذي تأتي فيه رصاصة الرحمة، يسمونه أيضًا "الوقت القاتل"!.

هكذا تتسرب الوحشية إلى الرياضة إذن، مع أنه "انقطاع أمل بطولة واحدة"، فالفريق يمكن أن يعاود مرة أخرى الموسم التالي ويفوز بالبطولة. هل يمكن تسمية الوقت الذي يتلقى فيها إنسان رصاصة الرحمة، بالوقت القاتل؟ هل يمكن أن تقتل حيواناً بدعوى رحمته؟ في قريتنا، كان هناك رجل لديه حمارة عجفاء، نهش منها الضبع قليلًا، وظلت تتعافى، صارت هيكلًا، ثم تعرقلت من جدار وكسرت إحدى قوائمها فلم تستطع الوقوف، هذه الحمارة كانت مثيرة للشفقة والرحمة، حالها لا يسر الحمار ولا الإنسان، طلب صاحب الحمار من ابنه أن يقتلها "ارحمها برصاصة"..

أخذ الابن بندقيته وذهب إلى حيث الحمارة الباركة، حام حولها كثيرًا بعد المغرب حيث لا يراه أحد، ثم عاد: لم تطاوعني نفسي للقتل.. هذي روح. العقل هو الفاصل بين الإنسان والحيوان. الحمار لا يعقل الموت ولا يعيه.. ولا يعقل الحياة ولا يعيها..

ترى صاحبه يعذبه وحين تشفق عليه تجده مرة أخرى عند منزل صاحبه.. الحمار لا يعرف الأمل.. وهذه الحمارة بالذات لم تكن لها أمل في الحياة.. ومع ذلك قام الابن بإمدادها ببعض اللقم اليابسة والماء، وتدريجيًا: قامت وهي الآن تزعج الرعية وهي تجوب أوديتهم. كيف يجرؤ البشر على قتل بعضهم..

كيف يقتل اليمني اليمني مجترحًا التهم السخيفة.. كيف وصل الأمر لشاب يقتل والديه بذريعة أنهم طواغيت، وكيف لزوج أن يقتل زوجته وأخاها وابنه لأنها لم تعد إليه، كيف يقتل الأخ أخاه بحجة أنه عميل..

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر