يوم النكبة اليمنية


محمد علي محروس

 على مسافة واحدة وقف الجميع، ينظرون إلى وحش مفترس، داهم صنعاء أمام مرأى العالم، ولا حيلة لهم حياله.
 
كان اليمنيون يومها يعيشون أسوأ كابوس مر على البلاد منذ ولادة الجمهورية، الكابوس الذي جاء نتاج تراكمات لم تتحلحل على امتداد نصف قرن من ثورة الـ26 من سبتمبر، جاء ليفتح صفحةً سوداء في حياة الشعب، ويلتقط صورةً قاتمةً للوطن، ويدشن مرحلةً من الفوضى، لا نهاية لها على المدى القريب.
 
نعم، إنه الـ21 من سبتمبر 2014، أراده العالم يومًا للسلام، وأراده الحوثيون يومًا للحرب في اليمن، حين أتموا انقلابهم المشؤوم، وتحولوا بعده إلى المحافظات الأخرى كالمغول، يقتلون ويدمرون وينهبون كل ما يجدونه في طريقهم، إذ لا جديد، فهذا ديدن العصابات والمليشيا على الدوام.
 
لقد كان سقوط عمران في 18 يوليو 2014 إيذانًا بالاستيلاء على صنعاء، وضوءًا أخضرًا للعصابة المليشاوية بتحقيق مآرب قوى إقليمية مرتبطة بتحالفات داخلية أكدها بعيد ذلك إعلان صالح الانضمام للحوثيين ومباركته للخطوة التي أقدموا عليها، بإسقاط عمران والاستيلاء على صنعاء، وكل ما ارتكبوه خلال تلك الفترة من جرائم تتنافى مع الوجود الإنساني، من تفجير للمنازل ولدور القرآن، رغم ادعائهم أنهم يعملون وفق المسيرة القرآنية، وعملهم بعد ذلك وفق منهجية محددة لإنزال صنوف العذاب بكل معارضيهم، في صورة شنيعة من صور التنكيل بالإرادة الوطنية من جماعة لا علاقة لها بالكيان اليمني أرضًا وإنسانا.
 
وأد الانقلاب الحوثي مؤتمر الحوار الوطني، وقد كانوا يخططون لذلك منذ زمن، إذ غابوا عن الجلسة الختامية بحجة الاحتجاج على اغتيال أحد أعضائهم، وفي الواقع كانوا رافضين لكل ما تمخض عن المؤتمر من حلول لمشاكل اليمن وأزماته المتراكمة منذ عشرات السنين.
 
 من الواضح أنهم كانوا يخططون لإعادة البلاد إلى مربع اللا عودة، وإعادة اليمنيين إلى أزمنة غابرة، واصطناع أزمات لا حدود لها، وهو ما بدا لاحقًا من خلال ما افتعلوه على امتداد البلاد، فلم يكتفوا بالحرب العسكرية وما نجم عنها، بل وسعوا نطاقهم الاستهدافي الخبيث، فشنوا حربًا ثقافية قائمة على السلالية والطائفية واستدعاء الماضي، وجعلوا من الإقصاء وسيلة لكل ما يريدون تحقيقه، وحربًا اجتماعية لتمزيق الهوية اليمنية، وتشتيت وتفتيت أواصر اليمنيين، وجوامعهم التي بنوا عليها وحدتهم وتلاحمهم المجتمعي، إذ أعادوا نبرة المناطقية والقبيلة، وأحيوا النعرات، وأثاروا حمية الجاهلية التي يؤمنون بها.
 
لم يكتفوا بذلك وحسب، بل شنوا حربًا اقتصادية حين أوقفوا صرف رواتب القطاع الحكومي، ومارسوا سياسات مالية إقطاعية، واتجهوا صوب الابتزاز والنهب على حساب لقمة عيش الناس، وساهموا في كل الأحوال في الارتفاع الجنوني للأسعار في كل المحافظات.
 
إن الحوثيين تعاملوا مع الوضع على طريقتهم المليشاوية، وجعلوا من الابتزاز وسيلة للثراء، فاستغلوا الوضع القائم بشكل عام، ونهبوا عددًا من مراكز الإغاثة، وحولوا كثيرًا منها إلى مجهود حربي، وعمدوا إلى محاربة الناس في احتياجاتهم المعيشية، في صورة تؤكد قطعًا مدى توجه الجماعة الإرهابية وعملها على استهداف الإنسان اليمني دون مبررات.
 
هذا يوم النكبة اليمنية بامتياز، اليوم الأسود، اليوم الذي صادر كل مكتسباتنا على مدى العقود الستة الماضية، وأعادنا إلى نقطة البداية، نبحث عن وطن تائه بفعل نزق الكهنوتيين، ودعاوى السلالة المقدسة، ومن كان في ركبهم خائنًا لقيم الجمهورية، وأهداف الثورتين اليمنيتين الخالدتين 26 سبتمبر و14 أكتوبر.
 
سنظل على عهدنا الجمهوري، لن نحيد عنه، سنستمر في رحلة انتزاع حقنا من بين مخالب الإماميين الجدد، وكل من شاكلهم من دعاة الانقلاب الأسود، سنواصل مسيرة البحث عن وطننا، حتى نلقاه، وهذه المرة لن نتركه للأوباش، يعبثون به كما يريدون، فسلام على الجمهورية، وعلى من آمن بها، والخزي والعار لهذا اليوم المشؤوم، يوم النكبة اليمنية بامتياز.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر