صراع النفوذ بين الإمارات والسعودية في اليمن..! (تحليل خاص)


 تحرير عدن من قبضة الانقلابيين منتصف العام 2015، ومع نهاية العام كانت معالم القوى المسيطرة على الأرض قد بدأت ترتسم تدريجيّا، وتحددت نفوذ دول التحالف المشاركة في الحرب وطموحاتها، حيث تجلت مساعي الإمارات لتعزيز تواجدها بشكل أكبر في الجنوب منذ الشهور الأولى لتحرير عدن.
 
 وعلى الرغم أن السعودية هي من تقود "عاصفة الحزم" منذ بداية انطلاقها، إلا أنها- عمليا، كما بدى- لم تكن تجني نتائجها على الأرض، كما فعلت دولة الإمارات، التي لم تفوت شيئا في جنوب البلاد دون استغلاله وتطويعه لخدمة أجندتها الخاصة، لتبدو المملكة- بقصد أم بدونه- وكأنها تعمل لصالح شقيقتها ورديفتها في قيادة العاصفة.
 
فكيف تمكنت الإمارات من التمدد على حساب السعودية؟ وهل هناك تحالف ضمني بينهما، بخصوص ترتيبات الوضع في الجنوب؟ كما قد يحلو للبعض تفسير ذلك. أم أن الأمر متجاوز للإرادة السعودية، أو على الأقل، متخطي لرغباتها وأهدافها الحقيقية؟
 

المتغيّر التاريخي الأبرز في علاقة البلدين
 
تقريبا، لم يحدث في أي فترة تاريخية سابقة، أن لعبت الإمارات دورا متجاوزا للسعودية على أي صعيد، بل على العكس، في كل فتراتها، منذ قيامها وحتى 2011 تقريبا، ظلت أبو ظبي تدور في فلك الرياض كتابع، على مستوى سياستها الإقليمية والدولية. أو ذلك، على الأقل، ما كان يظهر على السطح.
 
لكن الأمور تغيرت مع قيام ثورات الربيع العربي. وبدافع الشعور الموحد بالخطر، حدث ما يشبه التحالف السعودي – الإماراتي، ضمناً وعلناً، بهدف مجابهة الثورات العربية وتداعياتها. ومع أن كل دولة ظلت تشتغل بطريقتها المنفردة، إلا أن تطورات الأحداث وحدّ العمل في بعض الحالات. حيث كانت البداية من مصر، ثم لاحقـا جاءت الحرب في اليمن، لتكون بمثابة الساحة الأبرز لتوثيق عرى التحالف بينهما، مع بروز المتغير الكبير في العلاقة، وصعود الإمارات أكثر على حساب حليفتها الأقوى في المنطقة.
 
وبعد تحرير "جنوب اليمن"، بشكل خاص، تجلت محاولات الإمارات للعب دور دولي متجاوز للسعودية، وذلك عبر المضي بخطتها، التي اتضحت معالمها لاحقا، في السيطرة على جنوب اليمن، واتخاذه منطلقًا لتعزيز نفوذها البحري في المنطقة. الأمر الذي نجحت فيه- على الأقل حتى اللحظة.
 
 وبهذا، غدى من الممكن القول إن الإمارات باتت اللاعب الأبرز في منطقة الخليج، متجاوزة السعودية بخطوات في هذا المضمار، الذي ظل يشكل حساسية دائمة بالنسبة للسعودية في ريادتها التقليدية على مستوى المنطقة العربية والإسلامية.
 
من هنا، وفي حال ما استمرت السياسية السعودية تدور في فلك الإمارات، ستظل الأخيرة تمضي في خدمة مخططها الاستراتيجي، الأمر الذي قد يعني تراجع النفوذ السعودي الإقليمي والدولي لصالح الإمارات. وهو ما يعد أبرز متغيّر تأريخي، غير متوقع، يطرأ في تأريخ العلاقة بين البلدين منذ نشأتهما.
 
 
تشوش الرؤية السعودية
 
بالنظر إلى طبيعة الظرف الحرج الذي استدعى اتخاذ قرار التدخل العسكري من قبل السعودية في اليمن، قد يبدو أن الرياض اتخذت هذا القرار بشكل مفاجئ. وتبعا لذلك، فمن المرجح كثيرا أنها لم تكن في ذلك الحين تتوافر على رؤية شاملة لما يجب أن تفعله طيلة فترة تدخلها؛ لكن المشكلة الأن، هو بقاء تدخلها يتخذ طابع التحرك إلى الأمام، والتفاعل مع الظروف المتخلقة دون خطة ممنهجة، ترسم محددات المعركة على كل الجوانب، وتضبط سلوك حلفائها المشاركون في الحرب.  
 
وكنتاج طبيعي لتلك البداية الفجائية، حتى على الرغم من الترتيبات الشكلية التي أنجزت على مستوى عملية التدخل؛ يُعتقد إلى حد كبير أن السعودية ما تزال، بعد أربع سنوات من تدخلها وحتى اللحظة، بلا أي رؤية منهجية شاملة لما تريده من حملتها العسكريّة، وبلا أي استراتيجية مزمّنة وضابطة للغاية النهائية من الحرب. هذا التشوش فيما يخص المسألة اليمنية- إلى جانب عوامل أخرى، تتعلق بارتباكات السياسية الداخلية للمملكة- هو ما جعلها، تقريبا، عاجزة عن فعل شيء لمواجهة النفوذ الإماراتي المتصاعد في اليمن والبحر الأحمر على حسابها !!
 
 
لا مبالاة السعودية
 
حسب ما يُعتقد، أن السعودية لم تكن تضع اعتبارا كبيرا لمسألة الجنوب اليمني، ولا يشكل هاجسا استراتيجيّا لها، كما هو حال الشمال. لذلك، تقريبا، خاضت السعودية معركة تحرير الجنوب إلى جانب الإمارات؛ لكنها لم ترسخ نفوذها فيه ولم يكن لديها مطمح بذلك، قبل أن تعود للتدخل في المهرة لأسباب خاصة.
 
وفي الوقت الذي اتخذت فيه الإمارات من تحريرها للجنوب منطلقا للسيطرة على السواحل والحزر والموانئ اليمنية، لم تكن السعودية تهدف بمشاركتها في تحرير الجنوب سوى توفير أرضية استقرار للحكومة اليمنية والرئيس الشرعي، لهدف عودتهما لممارسة عملهما من الداخل؛ لكنها لاحقا، على ما يبدو، فرطت حتى بهذا الهدف التكتيكي، وفضلت الاستبقاء على الرئيس وحكومته لديها في الرياض.

ورغم الأعباء المالية التي تنفقها الرياض في سبيل ذلك، إلا أنه قد يبدو عبئا يسهل تحمله، بالنظر لما يحققه بقاء الرئيس عندها لحليفتها (الإمارات) من فسحة أكبر للحركة في الجنوب. ما يجعل بعض المراقبين يرجحون التفسير القائل بوجود ما يشبه الاتفاق الضمني بين الدولتين على ذلك.
 
 
تنامي النفوذ الإماراتي بحريا وخطره المستقبلي
 
بالعودة مجددا إلى تحرير العاصمة المؤقتة عدن وبقية مدن جنوب اليمن التي كانت تحت سيطرة ميليشيات الحوثي مع بداية الحرب، نجد أن السعودية، وبالتزامن، دفعت بقواتها شمالا، ليبدو الجنوب كساحة خالية مفتوحة أمام الإمارات، وفضاءً جاهزا لفرض مشروعها التوسعي.
 
وحال استبعدنا، لبرهة، فكرة أن الإمارات لم يكن لديها، من وراء مشاركتها في الحرب اليمنية مع السعودية، مخططات مسبقة لتحقيق مصالح استراتيجية خاصة، فقد يبدو الأمر على نحو: أنها أدركت مبكرا أنها أمام فرصة سانحة لتُلقي بثقلها العسكري في الجنوب وتكثّف حضورها هناك، مع مشاركة شكلية في الشمال إلى جانب السعودية، في مأرب تحديدا.
 
لكن ما أخبرتنا به الأحداث بشكل يبدو جليا، أن دولة الإمارات، ومنذ الأيام الأولى لاستقرار قوات التحالف في عدن، كان لديها رؤية مسبقة لما تطمح إليه، وقد وضعت عينيها منذ البداية لتحقيق هدفها وبسط سيطرتها على المدن الجنوبية، مستغلة بذلك عدم وجود مطامح سعودية قوية في الجنوب، وعدم ممانعتها أيضا لشغل الإمارات الفراغ الحاصل بعد التحرير هناك، ومن ثم الانطلاق لاستكمال السيطرة على الممر البحري الوحيد الناقل لنفط الخليج من مضيق هُرمز إلى بحر العرب والبحر الأحمر.
 
وهو ما تحقق لها بالتدريج؛ فبعد أن تمكنت من إحكام السيطرة على موانئ عدن والمكلا وشبوة، جنوبا، توجهت شمالا صوب مضيق باب المندب الاستراتيجي- بمحافظة تعز، وأحكمت قبضتها على الجزر اليمنية الواقعة في جنوب "المضيق" ليأتي ميناء المخا كهدف أخر بعد ذلك، ثم واصلت من هناك محاولة فرض سيطرتها على الساحل الغربي صوب الحديدة.
 
وبهذا، أصبحت الإمارات تسيطر تماماً على غالبية السواحل اليمنية المشرفة على البحر الأحمر والبحر العربي. ما يعني أنها باتت المتحكم الأول بممرات نقل النفط الخليجي وقادرة على خنق السعودية في أي لحظة، أو على الأقل ابتزازها مستقبلا، إذا أرادت لأي سبب قد يثار لاحقا، عبر التلويح بفضلها عليها لجانب ترجمة سيطرتها لنفوذ دولي يتخطى السعودية بالكامل.
 

خلاصة
 
بصرف النظر عن المآلات المرعبة للصراع (الخفي) بين الإمارات والسعودية، فما يزال ثمة فرصة حال ما تحققت، فسيكون بإمكان السعودية، تدارك وضعها في اليمن.
 
فمن المعروف أن أحد أسباب غض الطرف السعودي عن تنامي النفوذ الإماراتي في الجنوب، وبالتحديد نفوذها البحري، هو دعم ولي عهد أبو ظبي لولي عهد السعودية محمد بن سلمان، وعلاقته الخاصة والمتميزة به، حيث يعتبر الأول أستاذ ومعلما للثاني، كما تصفه تقارير دولية..
 
لكن؛ حال ما يتمكن ولي العهد من الجلوس على العرش الذي ينتظره بفارغ الصبر، فمن المرجح أن تقرر دوائر السياسة السعودية ذات العلاقة بالملك الجديد، ضبط البوصلة، اضطراريا، عن طريق استعادة التوازن، وتعزيز نفوذها البحري مقابل الإمارات.
 
ولعل محاولات السعودية الأخيرة تأسيس موطئ قدم لها في محافظة المهرة- جنوبي شرق اليمن، إلى جانب أنه بهدف تمرير مشروع الميناء البحري الذي تفكر به السعودية لتوفير بدائل لضخ النفط، فقد يمكن النظر إليه أيضا، كخطوة استباقية لقطع الطريق على أي تفكير إماراتي بالزحف باتجاه المحافظة.
 
مع أن هناك من قد يفسر هذا، أنه يأتي- ربما- في سياق رغبة الإمارات منح حليفتها السعودية الجزء الذي يهمها أكثر من كعكعة الجنوب اليمني (مشروع السعودية القديم-الجديد في مد أنبوب نفطي من أراضيها عبر المهرة إلى البحر العربي مباشرة، لتجاوز التهديدات الإيرانية بالتحكم بمضيق هرمز الذي تمر منه حاليا شحنات النفط الخليجي)، وذلك للتغاضي عن بقية الكعكة للإمارات.   
 
كل ما سبق، يؤكد أن هناك ما يشبه صراع النفوذ الصامت بين الإمارات والسعودية. وإذا كانت المصالح الظرفية قد أسهمت في بقاء العلاقة هادئة وطيبة بين البلدين، بل ووثيقة في هذه المرحلة؛ فإن هذا لا ينفي احتمالات الاحتدام مستقبلًا نظرا لوجود تماس واضح في المصالح، قد ينفجر في أي لحظة.
 
 الأمر الذي ينبئ أن اليمن ستظل ساحة صراع قادم، هو الآن يعتمل بهدوء، وأسبابه تتفاعل بصمت، والسنوات القليلة القادمة كفيلة بتحديد حجم ومسارات هذا الصراع وطبيعته، وما يمكن أن يطرأ بين البلدين، حال ما تصادمت المصالح وخرج ما يغلي إلى السطح.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر