تحذير أم استغلال.. ردود أفعال متباينة إزاء تحذيرات مجموعة هائل سعيد بشأن أزمة القمح في اليمن (تقرير خاص)

[ ردود أفعال متباينة إزاء تحذيرات بيت هائل سعيد بشأن القمح ]

أثار البيان الذي أصدرته مجموعة هائل سعيد أنعم التجارية -أحد أكبر البيوت التجارية في اليمن -يوم الإثنين، بخصوص تحذيرها من مجاعة محتملة في جميع أنحاء اليمن؛ نتيجة الانقطاع غير المسبوق في إمدادات القمح العالمية الناتج عن تداعيات الصراع في أوكرانيا، موجة من الخوف والقلق في نفوس المواطنين، خصوصًا في ظل الأزمة الكارثية التي تعصف في البلاد منذ انقلاب الحوثيين على الدولة، واستمرار الحرب للعام السابع على التوالي.
 
وجاء تحذير مجموعة هائل سعيد بعد أيام من إعلان الهند حظر تصدير قمحها والذي دخل حيز التنفيذ خلال اليومين الماضيين؛ بسبب التغيرات المناخية، والجفاف، وارتفاع درجة الحرارة، وهو ما أثّر على انتاجها السنوي من القمح، حيث استثنت الهند من الحظر مصر وعدد من الدول ليس من بينها اليمن، وهو ما اعتبرته المجموعة قد يساهم في تفاقم أسعار القمح العالمية بصورة أكبر.
 
وتباينت ردود الأفعال إزاء هذا البيان، بين من اعتبره بيان منطقي، ومكاشفة واضحة للشعب، ودق ناقوس الخطر للحكومة؛ لسرعة اتخاذ الاجراءات العاجلة لحل هذه المشكلة الكارثية التي لا تحتمل التأخير، وبين معتبرًا له بأنه بيان "غير أخلاقي"؛ كون المجموعة لم تقم بالتوضيح بشكل منطقي، ورقمي، تكشف حجم الارتفاع المتوقع، خصوصًا وأن الأسعار في القمح شهدت في السنوات الماضية ارتفاعًا جنونيًا؛ بسبب ما كانت تعتبره أسبابًا محلية؛ نتيجة تدهور سعر العملة، وقطع الطرقات وغيرها، وكانت تلك الزيادة لا تتناسب مع حجم الارتفاع في سعر الدولار، الذي كان يتأرجح بين الصعود والهبوط، بينما كانت الاسعار في ارتفاع، ولا تعرف الهبوط إطلاقا، مهما تحسن سعر العملة.
 
وفيما اعتبر البعض بيان مجموعة هائل سعيد بهذا الشأن مؤشرًا خطيرًا على تدهور الأوضاع في اليمن، فقد قلّل أخرون من خطورته خصوصًا، وأن هذا البيان ليس الأول، مشيرين إلى تقارير الأمم المتحدة التي تحذر منذ العام 2015 من احتمالية حدوث مجاعة في اليمن، وتصف الصراع في اليمن بأنه الأسوأ عالميًا، وهي بيانات الغرض منها زيادة الحصول على تمويل لموازناتها السنوية، وهو ما قد يشير إلى احتمالية قيام المجموعة بلفت الانتباه للحكومة للاستحواذ على الوديعة السعودية. حيث جاء الإعلان للمجموعة بالتزامن مع التوقيع على التمديد للوديعة السابقة، والتي اتهمت المجموعة باستفادتها من الوديعة السعودية والتربح منها بحسب بيان فريق الخبراء في ديسمبر 2020م، قبل أن تنفي المجموعة ما ورد في البيان جملة وتفصيلا.
 


مخاطبة المجتمع الدولي
 
وفي هذا الصدد، أشار الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي وفيق صالح، إلى أن مجموعة بيت هائل التجارية تجاهلت الإشارة للمجلس الرئاسي أو الحكومة في بيانها الذي حذرت فيه من مجاعة محتملة؛ نتيجة انقطاع إمدادات القمح العالمية.
 
وقال وفيق صالح في منشور له على صفحته في "الفيس بوك"، إن "بيان المجموعة التجارية الأكبر في البلاد، ركّز على مخاطبة المجتمع الدولي، والمؤسسات النقدية الدولية، ومطالبتها إنشاء صندوق خاص لتمويل الواردات نتيجة ارتفاع التكاليف الشراء والنقل".
 
وأشار إلى أن بيان مجموعة بيت هائل يؤكد أن المجموعة "لم تعد تعول على الحكومة في مسألة تأمين المخزون السلعي في البلاد، وضمان سلامة سلاسل الإمداد، كون قيام الحكومة بهذا الأمر يحتاج إلى تكوين احتياطي كبير من النقد الأجنبي، في البنك المركزي، وضمان تدفق موارد وإيرادات الدولة من العملة الصعبة بشكل منتظم إلى خزينة الدولة".
 
وأضاف: "كما أن مجموعة بيت هائل تحاول الاستفادة من تدخلات مؤسسة التمويل الدولية، في تمويل القطاع الخاص بالدول النامية، عبر تقديم مساعدات مختلفة"، مشيرا إلى أن المجموعة سبق وأن حصلت خلال العام الماضي على تمويل ديون من مؤسسة التمويل الدولية، بقيمة 75 مليون دولار، لضمان استمرار تدفق واردات السلع وسلاسل الإمداد".
 

فهم خاطئ للبيان
 
فيما أشار الصحفي الاقتصادي رشيد الحداد، إلى أن "هناك فهم خاطئ من البعض للبيان الذي صدر عن مجموعة بيت هائل سعيد أنعم حول تداعيات الحرب الأوكرانية- الروسية على إمدادات القمح من الأسواق العالمية".
 
وأوضح الحداد، في منشور له على صفحته في "الفيس بوك"، أن "المجموعة تقدّمت بمقترحات لمواجهة التداعيات، وقالت إن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة لتفاقم أسعار القمح العالمية التي ستضاعف أزمة الأمن الغذائي المستمرة في اليمن، ولم تتحدث عن أي أزمة في السوق المحلي، وهذا ما يجب فهمه"، مؤكدًا أن "الوضع التمويني مستقر بإذن الله". حسب قوله.
 
واستدل رشيد الحداد على قوله "ببيانات الأمم المتحدة التي تصدر بشكل دوري تتحدث فيها عن مجاعة في اليمن"، منوهًا إلى أنه "منذ العام 2015، والأمم المتحدة تواصل التحذير من مجاعة، وتخاطب بتلك البيانات المجتمع الدولي وخاصة المانحين".
 
ولفت الصحفي الحداد في هذا السياق، إلى ارتفاع أجمالي شحنات الغذاء الواصلة إلى ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين خلال الشهرين الماضيين، معتبرا ذلك مؤشرا على أن المخزون الاستراتيجي من القمح كبير وآمن.
 
وقال الحداد: "على مدى الشهرين الماضيين ارتفع إجمالي شحنات الغذاء الواصلة إلى ميناء الحديدة بنسبة 40%، عن الواردات الواصلة خلال الربع الأخير من العام الماضي"، مضيفًا أن "التقارير اليومية لحركة الملاحة الصادرة عن مؤسسة موانئ البحر الأحمر تؤكد دخول كميات كبيرة من القمح والحبوب، ولذلك المخزون الاستراتيجي من القمح كبير وآمن". حسب قوله.
 
ودعا الجهات المختصة في هذا إلى "مواجهة الارتفاعات العالمية التي طرأت في أسعار الغذاء؛ نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية بالتوجه نحو زراعة الحبوب بمختلف أنواعها؛ لتخفيف أي آثار عالمية على الاستقرار التمويني للسوق والاستقرار المعيشي للمواطن".
 

انعكاسات سلبية
 
بدوره، اعتبر المهندس صالح أبو اسماعيل، تحذير مجموعات هائل سعيد من احتمالية حدوث مجاعة؛ نتيجة ارتفاع أسعار القمح عالميًا، ونقص الامدادات بأنه "خطير"، مؤكدًا أنه "كان يجب أن يتم بمراسلات سرية بينهم وبين الحكومة، أو الأطراف الدولية كما ذكر البيان".
 
وأكد أبو اسماعيل في منشور له على صفحته في "الفيس بوك"، أن "هذا التحذير من أكبر مجموعة مستوردة للقمح في اليمن قد يؤدي إلى تعميق حالة الارتياب ومن ثم إلى ارتفاع مضاعف في الأسعار محليًا؛ نتيجة زيادة الطلب بغرض التخزين، أو نقص العرض؛ بسبب توقف بيع المخزون لدى تجار لبيعه بسعر أكبر لاحقًا".
 
ووصف بيان بيت هائل بأنه "تبرير للتخلي المسبق عن المسؤولية، أو ضغط على الحكومة؛ لدعم الشراء عبر البنك المركزي كما كان يحدث سابقًا؛ لكن دون وضع أي اعتبار لما يمكن أن يسببه في زيادة الأسعار".
 
وأضاف: "يفترض بالمجموعة أن تقوم بطمأنة السوق المحلية والقول إنها تبحث عن أسواق عالمية مثل استراليا وكندا في محاولتها للتعويض"، مشيرا إلى أنه "في هذه الظروف تلعب حالة اللايقين دور بالغ الخطورة في التضخم".
 
وأكد أن "الأمر لا يمكن تبريره بالمصارحة مع الرأي العام؛ فالشركة لا تملك الأهلية الرسمية ولا القانونية لذلك من جهة، ولأنه خطير ويمس الأمن الغذائي للشعب والتعامل الجاد يتم عبر قنوات وأدوات محددة وبخطاب مسؤول". حسب وصفه.
 
وأوضح أبو اسماعيل أن "أسعار القمح ارتفعت عالميًا فقط 5% بعد توقف الهند لتصديره". مشيرًا إلى أن هذه الزيادة "يمكن أن تنخفض عبر زيادة التصدير من دول أخرى مثل استراليا وأمريكا حيث عمدتا لزيادة الانتاج هذا العام"، محذرا من استغلال البيوت التجارية هذا الارتفاع العالمي للرفع في الأسواق المحلية "من 5% الى 50%".
 

تسويقي وغير أخلاقي
 
وأشار المهندس، محمد النعيمي إلى أن "تحذير مجموعة هايل سعيد من احتمالية حدوث مجاعة كارثية في اليمن؛ بسبب الحرب في أوكرانيا، تحذير غير مهني ولا أخلاقي"، معتبرًا أن الهدف من هذا التحذير "تسويقي واستباقي لرفع الاسعار سوى كان في تأثير حقيقي أو لا".
 
وأكد النعيمي في منشور له على صفحته في "الفيس بوك"، أن "المجاعة الآن ممكن تحصل؛ بسبب التحذير هذا"، مرجعا السبب إلى أن هذا التحذير سيدفع الناس للوقوف على شكل طوابير طويلة للتزاحم على عملية الشراء، والتهافت عليه بشكل كبير، خوفا من حدوث المجاعة.
 
وأشار إلى تهافت الناس والازدحام لشراء القمح بشكل كبير، سيحقق الهدف التجاري من تحذير مجموعة بيت هائل، كون سيسبب أزمة، "بغض النظر عن كميات الغذاء المخزنة لدى المجموعة"، منوهًا إلى أن "أول اجراء ستقوم به المجموعة هو رفع الأسعار، وقد ضمنت حدًا لا بأس به تواجه به ردة فعل الناس على رفع الاسعار".
 
وأكد النعيمي أن المجموعات التجارية التي تتمتع بقدر عال من الأخلاق في مثل هذه الظروف "تنزل على الناس ببيانات وأرقام حقيقية مش تحذر زي بائعي القات"، لافتا إلى أن "تقرير الخبراء السابق قال إن المجموعة كانت أكثر المستفيدين من الوديعة السعودية السابقة، وكانت تحصل على سعر صرف من مركزي عدن بفارق كبير غير منطقي بذريعة دعم الغذاء"، مضيفًا "الآن في دفعة جديدة من الوديعة (....) عيونها عليها (....) بذريعة حرب أوكرانيا". حسب وصفه.
 

الأمن الغذائي والدور الحكومي
 
ويشير مصطلح الأمن الغذائي إلى "توفر الغذاء للأفراد دون أي نقص"، ويعتبر الأمن الغذائي قد تحقق فعلا في أي بلد عندما يكون الفرد لا يخشى الجوع، أو أنه لا يتعرض له. ويستخدم مصطلح "الأمن الغذائي" كمعيار لمنع حدوث أي نقص في الغذاء مستقبلا أو انقطاعه إثر عدة عوامل تعتبر خطيرة، ومنها الجفاف والحروب، وغيرها من المشاكل التي تقف عائقا في وجه توفّر الأمن من قبل الدول لمواطنيها.
 
ومنذ الحرب الأوكرانية - الروسية، التي اندلعت نهاية شباط/فبراير الماضي، تزايد التحذيرات الدولية والأممية بشأن مجاعة محتملة في اليمن؛ بسبب الحرب، ونقص الإمدادات العالمية من القمح، حيث تستورد اليمن سنويا 22% من القمح وفقا لتقرير مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي.
 
واختلفت الأرقام بالنسبة لمخزون القمح في اليمن، بين حكومتي صنعاء وعدن، ففي حين قالت الحكومة الشرعية إن المخزون الاستراتيجي من القمح والمواد الأساسية في اليمن يكفي لأربعة أشهر، قالت الحكومة الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي بصنعاء غير المعترف بها دوليا إن المخزون من القمح يكفي لستة أشهر قادمة.
 
وبين هذا وذاك، قالت الأمم المتحدة في بيان لها منصف نيسان/أبريل المنصرم، إن 17.4 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، مؤكدة ارتفاع هذا العدد بسبب تأثيرات الحرب الروسية - الأوكرانية. فيما قالت منظمة هيومن رايتس أن أكثر من نصف اليمنيين يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
 
يشار إلى أن الحكومة كانت قد قدرت في تقرير لها في 2019، أن فاتورة استيراد القمح من اليمن سنويا يقدر بنحو 700 مليون دولار، ولا شك أن هذه الفاتورة ارتفعت خصوصا بعد تأثيرات أزمة كورونا العالمية، وكذا الحرب الروسية الأوكرانية، ورغم التأكيدات الحكومية والتوجيهات بضبط الأسعار ومنع الاحتكار، والتأكيد على أن الأمن الغذائي أولويتها؛ إلا أن الواقع يقول إن هذا الأمر مجرد كلام استهلاكي ليس له أي واقع على الأرض، خصوصًا في ظل ارتفاع الأسعار بأشكال جنونية، وعجز حكومي عن التدخل لإنقاذ المواطنين.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر