لماذا يعد "المجلس الانتقالي" الخاسر الأبرز من المحادثات السعودية الحوثية بشأن اليمن؟ (تحليل خاص)

على مدى سنوات، كان هناك اتجاه كبير يدعو للتفاوض بين مليشيا الحوثي من جهة، والمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا من جهة أخرى، باعتبار الطرفين، أعداء للحكومة الشرعية، فالأول يريد عودة الإمامة بصيغة جديدة، ضمن المحور الإيراني، بينما يطمح الثاني العودة بجنوب اليمن إلى ما قبل الاستقلال بحدود عام 90.
 
ومنذ اتفاق الرياض الذي وقع في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، صار المجلس الانتقالي جزءا من تشكيلة الحكومة اليمنية، بعدة وزراء، مع احتفاظه بقوة عسكرية وأمنية مستقلة عنها، بل مواجهة لها في معظم محافظات جنوب اليمن.
 
تطورت شراكة الانتقالي بالحكومة اليمنية ليصبح أحد أقوى مكونات الحكومة والشرعية اليمنية بعد تشكيل مجلس الرئاسة في أبريل/ نيسان2022، من خلال وجود عيدروس الزبيدي عضو في المجلس الرئاسي، بالإضافة إلى أبو زرعة المحرمي قائد ألوية العمالقة التي تعد إحدى أبرز التشكيلات الانفصالية التي أنشأتها الإمارات.
 
لم توفر عملية التغيير الجديد لشكل الحكومة والرئاسة اليمنية فرصة كبيرة للمطالب التي كان الانتقالي يريدها، المتمثلة بمفاوضات بين القوى الموجودة على الأرض.
 
على مدى أشهر من المفاوضات بين السعودية والحوثي في سلطنة عمان منذ مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تتقدم تلك المفاوضات بين الطرفين، بينما استبعدت الأطراف الإقليمية بما فيها الرياض ومسقط وأبوظبي، حلفاءهم في اليمن من المؤيدين لعمليات عاصفة الحزم والتحالف العربي.
 
ولم يصدر الانتقالي الجنوبي أي مواقف تجاه هذه المفاوضات التي صممت فيما يبدو كمرحلة أولى لحل النزاع السعودي الحوثي، المتعلق أساسا بتمديد الهدنة، وأمن الحدود، ومسألة تقاسم الإيرادات النفطية والغازية، ونشاط موانئ الحديدة الواقعة ضمن سيطرة الحوثيين.
 
وخلال جولة على الموقع الرسمي للمجلس الانتقالي فإن أهم ما يذكره المجلس هو حرص قيادته على تذكير الدبلوماسيين الذين يجرون لقاءات مكثفة مع عدة أطراف حكومية يمني بأن مطالب الانتقالي يجب أن "تستوعب العملية الواقع الموجود على الأرض، وتعالج الجذور الحقيقية للأزمة وفي مقدمتها حل قضية الجنوب، بما يلبي طموحات شعبه وحقه في تقرير مصيره".
 
في نفس الوقت، يواصل الانتقالي نشاطه المحموم ضد الحكومة في عدن، بعدما صار هو أقوى مكون فيها، خاصة من خلال حملته الدعائية وتحركاته العملية التي تستهدف السيطرة على وادي حضرموت، خاصة بعد تغيير عدد من أبرز قياداتها العسكرية والأمنية، بشخصيات جديدة من ذات المنطقة.
 
وفي عدن واصل الانتقالي هجمته الإعلامية ضد الحكومة والدولة اليمنية من خلال إعلان إنشاء نقابة جديدة للصحفيين، بالإضافة إلى شن حملة دعائية مكثفة على مهرجان تعتزم وزارة الإعلام إقامته في عدن باسم "شتاء عدن" رغم أن الكثير من الانتقاليين يعملون في هذا المهرجان.
 

استهداف الاقتصاد
 
عقب انتهاء الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة في أكتوبر الماضي، نفذت مليشيات الحوثي هجمات إرهابية استهدفت الموانئ النفطية في محافظتي شبوة وحضرموت، ما أدى إلى توقف تصدير النفط الخام الذي يعتبر المورد الرئيسي الذي يعتمد عليه اليمن.
 
جاءت الهجمات الحوثية على موانئ النفط، بينما كان عيدروس الزبيدي يترأس لجنة شكلها رئيس المجلس الرئاسي في أغسطس الماضي، باسم لجنة تنمية الإيرادات العامة في المحافظات المحررة. لم تصدر اللجنة أي بيانات تذكر بشأن الهجمات الحوثية التي استهدفت أهم مواردها المالية على الإطلاق بالعملة الأجنبية.
 
كما كثفت مليشيا الحوثي عمليات واسعة ضد فصائل الانتقالي في جبهات لحج وتحديدا في كرش، والقبيطة ويافع وغيرها من مناطق التماس، بالإضافة إلى هجمات مستمرة على مواقعه في الضالع والبيضاء ويافع وصولا إلى استهداف ألوية العمالقة في شبوة.

ووفق مركز دراسات الإعلام الاقتصادي فإن القطاع النفطي في حضرموت يشكل 39% من الإنتاج النفطي 2006، وقطاع جنة شبوة 12% وقطاع مأرب19% بينما تغطي بقية الآبار في الثلاث المحافظات بقية الإنتاج النفطي. بينما تنتج مأرب الغاز كليا، وتصدره عبر خطوط نقل عملاقة ممتدة عبر محافظة شبوة إلى ميناء بلحاف الغازي.
 
أثرت الهجمات الحوثية على مالية الحكومة، ودفعتها إلى تقليص أنشطتها الاقتصادية وموازناتها التشغيلية على المحافظات المحررة التي هي بالأساس محافظات جنوب اليمن بالإضافة إلى مأرب ومركز محافظة تعز وعدة مديريات أخرى من محافظات الحديدة والجوف والضالع.
 
استهجن الانتقالي الجنوبي كغيره من المكونات الهجمات الحوثية الإرهابية على منشآت النفط وموانئ التصدير في محافظتي شبوة وحضرموت، التي زادت عن خمس عمليات بطيران مسير.
 
ومع بدء التقدم المحرز في المفاوضات السعودية الحوثية ووفق ما نشر مؤخرا، تنص الصفقة على تسليم الشرعية من عائدات النفط والغاز حصرا دون بقية الإيرادات الأخرى سواء من قبل الحكومة أو الحوثي لمرتبات الموظفين، ما يعني استنزافا هائلا للمشاريع الحكومية والخاصة في مناطق سيطرة الحكومة جنوبي اليمن.
 
وتوقع مركز الإعلام والدراسات الاقتصادية أن تكون محافظات شبوة مأرب وحضرموت أبرز الخاسرين من الصفقة إذ سيتم تقليص نسبة 20% من إيرادات النفط والغاز المخصصة لتلك المحافظات. ويحاول الحوثي تفسير العودة إلى موازنة 2014 -وفق وكالة أسوشيتد برس الأمريكية- بالسيطرة على 80% من الإيرادات الغاز والنفط الخام.
 
ولم يعلق المجلس الانتقالي الجنوبي سواء من خلال أخبار رئيس المجلس أو أمانته العامة، أو الناطق الرسمي باسمه بشأن الصفقة السعودية الحوثية. لكن تصريحا للمتحدث الرسمي باسم المجلس الانتقالي علي الكثيري لصحيفة أردنية عبر فيه عن رفضه لذلك البند المتعلق بتسليم مرتبات الموظفين والحوثيين من العائدات النفطية، لكن هذه التصريح لم ينشر في الموقع الرسمي للانتقالي.
 
وقال الكثيري في مقابلة مع صحيفة الدستور الأردنية، نشرت منتصف يناير الجاري، إن" التنازلات من أجل قبول الحوثيين بالهدنة لا يمكن الإقدام عليها بأي شكل من الأشكال.
 
وأضاف: "بالذات في موضوع الإيرادات وتقاسمها معه، موضوع صرف المرتبات لهم هناك، وكل هذا يريده من عائدات ثرواتنا النفطية، هذا الأمر بالنسبة لنا لا يمكن القبول به بأي شكل وبأي حال من الأحوال".
 
وبدلاً من ذلك ويريد المجلس الانتقالي -حسب الكثيري- "أن تصاغ عملية سياسية سريعة ومباشرة للولوج في القضايا الأساسية، بدلاً من التوهان في أمور تفصيلية مثل طرقات وفتح معابر وغيرها، فهذه الأمور أعتقد أنها استهلكت الكثير من الوقت دون التقدم فيها".
 
وقال مصدران محليان أحدهما مقرب من الانتقالي الجنوبي، وآخر من عدن لـ"يمن شباب نت"، إن "المجلس الانتقالي ما زال يرفض فكرة تقاسم العائدات النفطية والغازية مع مليشيا الحوثي".

عدم توظيف أوراق اقتصادية
 
وبينما يواصل الحوثي التركيز على أن نيل حصة كبيرة من عائدات النفط والغاز، فإن الحكومة بما فيها الانتقالي، لم تتطرق مطلقا للعائدات السيادية المالية الكبيرة من قطاع الاتصالات والإنترنت التي تذهب حصرا لمليشيا الحوثي، وتقدر بأكثر من مليار دولار وفق ما ذكره تقرير فريق الخبراء الخاصة باليمن في مجلس الأمن.
 
وأصبحت الاتصالات أحد أهم أدوات التمويل الحوثية، خاصة أن تلك الشركات مثل شركة يو تبيع السعر في المناطق المحررة ضعفي سعره في مناطق سيطرة الحوثي.

ولم تتمكن الحكومة حتى الآن من تطوير قنوات فعالة للاتصالات مستقلة عن الحوثي، بما فيها شركة عدن نت من الجيل الرابع، التي فشلت في تغطية عدن، أو في المنافسة الحقيقية على الإنترنت مقارنة بشركة يمن نت التي يسيطر عليها الحوثي.
 
كما أن المجلس الانتقالي والحكومة لم يتطرقا مطلقا إلى أن ضرائب كبار المكلفين التي تبلغ مئات المليارات تذهب للحوثيين حتى على فروعهم العاملة في مناطق الحكومة.
 
إضافة إلى أن حقوق اليمن الإقليمية الجوية تذهب عائداتها مباشرة إلى مناطق سيطرة مليشيات الحوثي، وتقدر سنويا بأكثر من 45 مليون دولار في وقت الحرب، يتوقع أن ترتفع أكثر في أوقات الهدنة والسلام.
 

تداعيات تقاسم الإيرادات النفطية
 
توقعت كثير من التقارير والخبراء تداعيات كارثية كبيرة على الاقتصاد في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية من توقف إنتاج وتصدير النفط، بنضوب مالية الحكومة، التي تصل من النفط والغاز أكثر من مليار في 2021، وتشكل وفق تقارير متعددة 68% من موازنة الحكومة.
 
ودفع نقص هذه الإيرادات بعد الهجمات الإرهابية الحوثية؛ الحكومة إلى اتخاذ إجراءات اقتصادية -لم تطبق بعد وفق تجار- شملت رفع سعر صرف الدولار الجمركي، الذي يحظى بتأييد من المجلس الرئاسي، والبنك الدولي وبريطانيا.
 
كما تؤدي إمكانية تقاسم الإيرادات بصيغتها التي تصل إلى الحوثيين أولا بدلا من الموظفين مباشرة عن طريق الصرافة إلى تزويد الحوثي بجائزة نقدية كبيرة، دون أي ضوابط عليها، وتخصم مباشرة من السيولة النقدية وحركة القطاع الخاص في مناطق الحكومة بما فيها عدن، والمحافظات النفطية الثلاث مأرب وحضرموت وشبوة، التي يعد وضعها الاقتصادي أفضل من المحافظات الأخرى شمالا وجنوبا.
 
وتعتمد موارد المجلس الانتقالي بجانب الدعم الإماراتي، على وجوده في الحكومة، وسيطرته على مجموعة متعددة من الإيرادات مثل نقاط الجبايات وسيطرته على بعض المؤسسات الحكومية الإيرادية، وستؤدي بالضرورة عملية تحويل الأموال إلى الحوثي إلى تأثر جميع المكونات المحلية والقطاع الخاص في المناطق المحررة سلبا.

 
نكسة كبيرة للشرعية
 
خلال الأشهر القليلة الماضية من انتهاء الهدنة، وأثناءها تركزت جهود الانتقالي على تقويض الحكومة الضعيفة، وإفشال التوافق فيها، حتى على مستوى عقد جلسات مجلس الرئاسة بانتظام، بالإضافة إلى تحركاته العسكرية الانفرادية في أبين وشبوة وحضرموت، ساهم من خلالها في إضعاف الموقف الحكومي الموحد الذي كان يفترض أن يكون.
 
بالمقابل كان موقف الانتقالي يشبه الموافقة الضمنية على كل تحركات مليشيات الحوثي التي تقوض الحكومة، حتى وصلت إلى تقويض الانتقالي نفسه. وفي هذا السياق يقول خبراء إن موقف الانتقالي الضعيف من الحوثي مرده إلى العلاقات بين الانتقالي وخاصة تيار الجفري مع إيران، منذ عقود.
 
بالمحصلة يواصل الحوثي بثبات مساعيه لتقاسم الإيرادات النفطية والغازية من المناطق المحررة دون موقف موحد من المجلس الرئاسي والشرعية سببه الرئيس -وفق متابعين- هجمات الانتقالي على الحكومة.
 
 وبدأت مليشيات الحوثي مؤخرا مساعيها لانفصال اقتصادي شامل يستهدف أيضا إضعاف النشاط الاقتصادي من موانئ عدن الذي ازدهر خلال سنوات الحرب الماضية.
 
وقال القيادي الحوثي حسين العزي في تغريدة له على "تويتر" إن "مليشياته ستتخذ موقفا من آلية التفتيش الأممية في جيبوتي المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن 2216، بما يجعل السفن تمر مباشرة إلى الحديدة دون تفتيش، عكس ما يحصل في عدن والمناطق المحررة".
 
وكان الحوثي قد حظر كليا استيراد النفط عبر المناطق الحكومية منذ مطلع يناير2021، وجعله حصرا بيد قادة الجماعة، عبر موانئ الحديدة. وأدى ذلك إلى حرمان المناطق المحررة من عائدات ضريبية وجمركية كبيرة، كما أدى إلى تعطيل سوق نقل الوقود في المناطق المحررة. ويصل قيمة قطاع النقل في اليمن ملياري دولار تقريبا وفق تصريحات الغرفة التجارية في صنعاء.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر