"نيولوك" لحرب اليمن


زكريا الكمالي

فجأة، ظهرت الحرب اليمنية بـ"نيولوك". انسحابات غامضة تبعتها عودة زخم الانتصارات للقوات الحكومية بعد سنوات من الجمود فرضتها قيود سياسية من المجتمع الدولي، أو حسابات خاطئة من قوى الداخل. تغيّرت قواعد اللعبة العسكرية في وقت قياسي، ففي مأرب، بدأ الجيش اليمني بامتصاص صدمة الهجوم الشامل من الحوثيين وتحوّلت صحاري المديريات الجنوبية إلى ثقب أسود يلتهم العشرات من عناصر المليشيا يومياً منذ مطلع الشهر الحالي. وفي الساحل الغربي، تتوالى أخبار الانتصارات وكأن معركة تدور هناك من طرف واحد.
 
رقعة غارات التحالف اتسعت هي الأخرى، ولوحظ استخدام بنك أهداف جديدة في مناطق ومحافظات لم يسبق استهدافها طيلة الأشهر والسنوات الماضية، وفي المقابل انكسرت الغطرسة الحوثية إلى حد ما، بعد أن كانت الجماعة تعتقد أن منابع النفط والغاز في مأرب باتت في متناول اليد. لكن كيف تحقق كل هذا؟ هل يمكن القول إن التحوّلات العسكرية الحاصلة نتاج لوحدة الصف اليمني المناهض للحوثيين وصحوة سعودية صححت مسار المعركة، أم أن ما يجري هو تنفيذ لمخطط دولي غامض وعاصفة تسبق الهدوء؟
 
لا توجد إشارات واضحة على أن الحس الوطني قد وُلد فجأة وجعل الجميع يشعرون بمخاطر المليشيات والمشروع الإيراني في حال سقوط مأرب، على الرغم من أن هذا عامل مهم لمسار المعركة، ولا توجد نوايا أيضاً على دفن العملية السياسية بعد الانسحاب الضمني للحكومة والتحالف من اتفاق استوكهولم في الحديدة. إعادة التموضع، هي السر الوحيد في التحوّلات الحاصلة على الأرض.
 
دشنت السعودية هذه التحركات، بإعادة تموضع قواتها في عدن وعدد من المحافظات، بعد ذلك قامت القوات المشتركة بإعادة تموضعها بعيداً عن تخوم مدينة الحديدة، وبشكل تلقائي كانت الانتصارات تتوالى للقوات الحكومية تزامناً مع تطور لافت في إعلامها الحربي الرتيب.
 
على الرغم من نشوة الانتصارات الحاصلة في بلدات الساحل الغربي المتاخمة للحديدة وتعز وإب، والارتباك الحاصل في صفوف جماعة الحوثيين التي أعادت تشغيل أسطوانة المظلومية والتنديد بالتصعيد، إلا أن هناك حلقة مفقودة وغموضاً قد يخسف بالطموحات والزخم الشعبي إثر طبخات سرية.
 
بالنسبة لأغلبية اليمنيين المناهضين للانقلاب، لا شيء أجمل من الانتصارات وانتزاع أي شبر من الحوثيين شرقاً أو غرباً، وطموحات هؤلاء ستتعرض لانتكاسة مدوّية في حال تراجع زخم المعركة خلال الأيام المقبلة بأوامر خارجية. وبالنسبة للراغبين بإنهاء الحرب، فلا أمل في أي عملية سلام مع استمرار التفوّق العسكري للحوثيين، ولا سلام مضموناً أيضاً مع جماعة تتعامل مع الشعب كرعايا وتنادي بحق الحكم الإلهي.
 
هذه النظرة، كان يؤيدها المجتمع الدولي في مناسبات مختلفة، بالقول إن مبادرات السلام لن يُكتب لها النجاح إلا من خلال حالة جمود ضارة للطرفين تصل فيها خسائر الحوثيين إلى نقطة يفقدون فيها دعم القبائل، وهذا يبدو أنه يُطبّق حالياً في معركة مأرب الاستنزافية.
 
بعيداً عن هذا وذاك، تثير التصريحات الغامضة التي أطلقها سياسيون يمنيون، ومنهم القيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام، أبو بكر القربي، الكثير من الريبة. اعتبر القربي أن انسحابات الساحل وما يجري في مأرب وشبوة والمشاورات حول الحل السياسي والعسكري وما تلاها من تبريرات، تدل على غموض، أو محاولة تنفيذ مشروع يفرض حلاً على اليمنيين يتجاهل التمسك بسيادة اليمن ووحدته ويحرم اليمنيين من صياغة مشروعهم الوطني لاتفاقية سلام.
 
وصل المجتمع الدولي إلى مرحلة العجز عن إيجاد وصفة ناجعة للأزمة اليمنية المعقّدة وخصوصاً بعد استحالة الحسم العسكري لأي طرف، لكن أي خطوة تمزيق محتملة لن تؤدي إلى استقرار اليمن كما يعتقد مهندسو الطبخات السرية بل إلى مزيد من الفوضى والاقتتال الأهلي. لن ينعم اليمن بالاستقرار في ظل حلول متهورة، وخصوصاً في ظل رفض جماعة الحوثيين لطروحات كهذه، وهي التي تتغنى دائماً بنشيد السيادة والاستقلال.
 

*نقلا عن العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر