بلغت الوقاحة الإسرائيلية مرحلة تسريب أن هناك نقاشات تُجرى مع دول، من بينها الكونغو الديمقراطية، لاستقبال محتمل للفلسطينيين من غزّة، ضمن مخطّط التهجير القسري الذي يستميت الاحتلال لتحقيقه في القطاع. يحدُث ذلك، بينما يجاهر مسؤولون إسرائيليون بالرغبة في إبادة جميع أهالي غزّة، وأن من ينجو من هذه الإبادة وكل أنواع العقاب الجماعي لا مكان له على أرض القطاع، بل سيكون مجبراً على القبول بخيار التهجير، لأن غزّة لن تكون قابلة للحياة. ما نقل عن وزيرة الاستخبارات جيلا غمليئيل، في جلسة للكنيست الثلاثاء الماضي، يصبّ في هذا السياق.
 
قدمت غمليئيل تصوّراً للقطاع في مرحلة ما بعد الحرب، يقوم على عدم وجود أي سلطات بلدية واعتماد الأهالي على المساعدات وتصاعد البطالة وتحوّل أكثر من نصف الأراضي الزراعية في القطاع إلى مناطق عازلة. مع العلم أن الوزيرة نفسها كانت قد نشرت، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مقالاً جاهرت فيه بأنه عوضاً عن ضخّ الأموال لإعادة إعمار القطاع أو لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي وصفتها بـ"الفاشلة"، يمكن "تمويل إعادة توطين" الغزّيين.
 
أما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش فكان أكثر تحديداً، إذ حصر عدد الفلسطينيين الذين يرغب ببقائهم في القطاع بين مائة ألف ومائتي ألف من أصل أكثر من مليونين. وطبعاً، موجة تطرّف كهذه لا يمكن أن يكون وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير غائباً عنها، وإن تفرغ في الأيام الأخيرة لمهاجمة أميركا، بسبب رفضها تصريحاته مع سموتريتش بشأن التهجير.
 
لا تخفي إسرائيل مخطّطاتها للقطاع، وهي تعمل يومياً على محاولة تطبيقها، لكن التسليم بأن ما تريده سيتحقق لا يعكس قراءة صحيحة للواقع على الأرض... رغم هول المجازر التي تدخل شهرها الثالث من دون توقف، وتجاوز عدد الشهداء 22 ألفاً والجرحى أكثر من 57 ألفاً، ورغم حجم الدمار الواسع في شمال القطاع كما الجنوب، وانعدام المأوى للأهالي، فلا يجب إغفال حقيقة أنه عندما جرى التوافق على الهدنة أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، والتي أتاحت وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار وتبادلاً للمحتجزين، فإن أول ما قام به الأهالي هو محاولة العودة إلى منازلهم، ليس فقط لتفقّدها، بل اختار قسم منهم الإقامة فوق أنقاضها، بعدما أدركوا أنه لا يوجد أي مكان آمن في غزة برمتها. ويومها، كانت الشهادات تؤكّد استخدام جيش الاحتلال الرصاص لترهيب الأهالي ومنعهم من العودة. وحتى الذين استمرّوا في النزوح، وباتوا يتخذون اليوم من مدينة رفح مستقراً لهم، يدركون جيداً أن هذه آخر محطة لهم، لأن ما بعد ذلك هو التهجير خارج القطاع.
 
وقبل اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت الثلاثاء الماضي، وفيما كانت النقاشات مستمرّة بشأن إمكانية التوصل إلى وقف جديد للنار، لم تغب عودة الأهالي النازحين في جنوب القطاع إلى الشمال عن المطالب التي وُضعت على الطاولة. يؤكّد الفلسطينيون، منذ بدء العدوان الإسرائيلي، أن التمسّك بالأرض هو الخط الأحمر الذي لن يتم التهاون فيه، مهما بلغ حجم التوحّش الإسرائيلي. تؤكّد فاتورة الدم التي يدفعونها منذ ثلاثة أشهر ذلك.
 
وإذا كان إحباط مخطّط الاحتلال مرهون بالفلسطينيين فقط في ظل الخذلان الذي يتعرّضون له واكتفاء غالبية الدول بمشاهدة المجازر المرتكبة بحقّهم، فإن ذلك لا يعفي الدول التي تُسرّب إسرائيل أسماءها شريكة في مؤامرة التهجير من ضرورة المسارعة إلى التبرّؤ من أي دور مشبوه في هذه المخطّطات، وإلا فإن الصمت لن يفسّر إلا في خانة التواطؤ.
 

*نقلاً عن العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر