جزيرة ميُّون اليمنية في الحسابات الاستراتيجية الإماراتية والسعودية (تحليل خاص)


منذ تدخل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، بقيادة السعودية والإمارات، عام 2015، مثَّلت الجزر والموانئ والسواحل اليمنية هدفًا رئيسًا للسيطرة والاستغلال غير المباشر، بوسائل وطرق مختلفة كشفت عنها السنوات الست المنصرمة من عمر الحرب..
 

وذلك ما تسنَّى للتحالف، بعد إخراج ميليشيا جماعة الحوثي وقوات الجيش السابق الموالية لها، من هذه المناطق، وتمكين ميليشيات أخرى أنشأها التحالف بمعزل عن إرادة وقيادة الحكومة المعترف بها دوليا، التي يفترض أن يكون هذا التمكين لها.
 

وهكذا باتت معظم الجزر والموانئ والسواحل اليمنية المشاطئة للبحر الأحمر، وخليج عدن، وبحر العرب، والمحيط الهندي، تحت قبضة هذه الميليشيات، وتحت إشراف قوات سعودية وإماراتية، باستثناء ما تبقى منها تحت سيطرة جماعة الحوثي، نتيجة للواقع الذي فرضته اتفاقيات استوكهولم 2018، الموقعة بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وبين جماعة الحوثي؛ وكذلك الجزر الواقعة قبالة ساحل محافظة حجة على البحر الأحمر، وأجزاء محدودة من سواحل محافظة شبوة في خليج عدن، التي آلت السيطرة عليها إلى قوات تابعة لوزارة الدفاع في هذه الحكومة.
 

خلال الأربع سنوات المنصرمة، برزت سجالات حادة حول قيام الإمارات باستحداث مواقع عسكرية في الجزر اليمنية الأكثر أهمية، ومن ذلك جزيرة ميُّون (بريم)، الواقعة على عتبة مضيق باب المندب. وازداد الأخذ والرد بشأنها منذ إطلالة السنة السابعة للحرب (2021)؛ حيث برزت ميّون بوصفها حديث الإعلام الدولي والعربي واليمني، في وقت لم تُبد فيه الحكومة اليمنية أي استجابة، خلافًا لموقفها الصارم إزاء قيام الإمارات بالفعل ذاته في أرخبيل سقطرى عام 2018، عدا موقف عدد من أعضاء مجلس النواب (السلطة التشريعية)، وبعض الوزراء، الذين ظهرت مواقفهم كإسقاط لواجب وظيفي، ولا أدلّ على ذلك من أن موقفهم من موضوع سقطرى ذهب أدراج الرياح..!!




الأهمية الاستراتيجية لجزيرة ميُّون

تقع جزيرة ميُّون (بريم) عند مدخل مضيق باب المندب، فتقسمه إلى ممرين غير متساويين في الطول والعرض؛ أحدهما، وهو الأضيق، يقع بين الجزيرة والبر الرئيس للبلاد (اليمن)؛ والآخر يقع بينها وبين أراضي جمهورية جيبوتي. وتمتد الجزيرة على مساحة قدرها 13 كلم مربع، وذلك بما تتعدى، قليلًا، مساحة جزيرة أبو موسى الإماراتية الواقعة في الخليج العربي، والتي تحتلها إيران، بجانب جزيرتي طنب الكبرى والصغرى، منذ عام 1971.
 

تضم جزيرة ميون ميناء طبعيًا يؤهلها، وفقًا لظروف وإمكانيات معينة مطلوبة، لأن تلعب دورًا عسكريًا وأمنيًا ولوجستيًا في مجال الأمن الخشن، دفاعًا عن اليمن وعن مصالح القوى الإقليمية والدولية في البحر الأحمر، والمصالح الأخرى المرتبطة به، خصوصًا ما يتعلق بالتدفق الآمن للنفط، والتجارة، وحماية الحلفاء الإقليميين، في حالة نشوب حرب بين دولتين من دول المنطقة، أو مجموعة من الدول المؤطرة ضمن تحالفات إقليمية أو دولية.
 

يبرز في هذا الشأن الدور العسكري، الذي يمكن أن تضطلع به الجزيرة في مجال الأمن القومي العربي إزاء تهديدات الكيان الصهيوني، والتهديد الإيراني، والوجود الأجنبي في البحر الأحمر، الذي يتعارض مع النظرة العربية إلى هذا البحر، بوصفه بحيرة عربية. كما يمكن أن يضاف إلى ذلك: تداعيات التهديد المائي، الذي قد ينشأ عن حرمان مصر من حقها القانوني في مياه النيل، نتيجة لسياسات إثيوبيا التعسفية إزاء هذا الحق، والذي قد يقود المنطقة إلى مواجهة مسلحة بينهما، ولن يقف العرب مكتوفي الأيدي أمامها، وهكذا بالنسبة إلى حلفاء إثيوبيا. 
 

إلى ذلك، يمكن أن تلعب الجزيرة دورًا مساندًا للشركاء الإقليميين لليمن في مجال الأمن الناعم، مثل: تأمين حركة الملاحة البحرية إزاء تهديدي القرصنة، والسطو المسلح على السفن، في أعالي البحار بخليج عدن، وجنوبي البحر الأحمر، وقبالة سواحل الدول المشاطئة، كما حدث خلال العقدين الماضيين قبالة السواحل الصومالية، فضلًا عن جهود مكافحة الإرهاب البحري، وعدد من مناشط الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية من خلال البحار، التي تنتشر في هذه المناطق، مثل: الهجرة غير الشرعية، والصيد غير المشروع بكافة أشكاله، وتهريب المخدرات والأسلحة والسلع المسروقة، والإتجار بها، وتلويث البحر بالنفايات السامة.
 

لا شك أن مشروعات استراتيجية، قومية وإقليمية ودولية، يمكن أن تلعب جزيرة ميون دورًا فيها، بحكم موقعها الاستراتيجي، الذي لا يمكن تجاوزه إذا ما دخلت خطط تنفيذ هذه المشروعات حيز النفاذ. ومن ذلك مشروع جسر النور، الذي خّطِّط له لأن يربط بين جيبوتي والأراضي اليمنية، عبر جزيرة ميون، والذي يبلغ طوله 30 كلم؛ حيث يمكن أن تمتد أجزاء من الجسر فوق الجزيرة، أو تستوعب أراضيها جزءًا من امتداده المفترض.
 

في سياق مبادرة طريق الحرّيّر الصينية (طريق واحد- حزام واحد)، فإن موقع جزيرة ميون يحتِّم وضعها ضمن خريطة هذه المبادرة، لا سيَّما أن الجزيرة تقع عند نقطة ربط مثالية بين آسيا وأفريقيا، وفي طريق خطوط نشاط مجموعة من الموانئ، مثل: موانئ الهند، وباكستان، وإيران، وموانئ الخليج، وجيبوتي، وعدن، وجدة، وما يرتبط بها من مشروعات استراتيجية خاصة بدول إقليمية بعينها، مثل مشروع نيوم السعودي، وقناة السويس في مصر..
 

في كل الأحوال، فإن هذا الدور يتطلب إمكانيات كبيرة ومتنوعة، للتغلب على التحديات السائدة في الجزيرة، أو في محيطها البحري، والتي جعلت الجزيرة مهملة خلال فترات حكم الأنظمة السابقة التي تعاقبت على شطري اليمن، وكذلك في عهد النظام الحالي الغارق في مستنفع الحرب منذ عام 2011..
 

 ومن هذه التحديات: المناخ السيء، وضعف البنية التحتية المتعلقة بالنقل البحري والجوي، وكذلك النقل البري داخل الجزيرة، وشحة الموارد، لا سيَّما الماء العذب الذي يمثل معوقًا لاستمرار الحياة والمناشط الإنسانية في الجزيرة، فضلًا عن التدخلات الدولية، والانقسامات الداخلية، كعوائق أفرزتها الحرب الراهنة.
 

الحسابات الإماراتية في جزيرة ميُّون

تقتضي التطلعات الجيوسياسية للإمارات، في ما وراء بحر العرب، أن يكون لها وجود عسكري دائم ومتقدم في البحر الأحمر، وخليج عدن، بما يحمي مصالحها ومصالح شركائها من القوى الدولية الفاعلة المساندة لتطلعاتها في مجال صناعة النقل البحري، ومن ذلك قطاعات الموانئ، والشحن البحري، واللوجستيات؛ حيث تستثمر فيها مؤسسة موانئ دبي العالمية في عدد من موانئ القرن الإفريقي. ولا يغيب عنا سعي الإمارات إلى فرض نفسها كطرف مؤثر في المبادرة الصينية، أو عرقلة ذلك ما دامت تتهدد مصالحها ومصالح شركائها.

إقرأ أيضا..
"جزيرة ميون الإستراتيجية".. لمصلحة من تبني الإمارات قاعدة جوية في باب المندب؟ (تقرير خاص)

 
بالنظر إلى شراكة الإمارات، الأمنية والعسكرية، مع حلفائها الدوليين والإقليميين، فإن إيران التي تحتل ثلاث جزر تابعة لها، تمثل خصمًا تقليديًا يقتضي مواجهته ومواجهة توسعه خارج منطقة الخليج، ومن ذلك خليج عدن، والبحر الأحمر، عبر قواعدها المنتشرة فيها، أو التي تزمع إنشاءها في جزيرة ميون.
 
وعلى نحو ذلك، أيضا، تبدو النظرة الإماراتية تجاه تركيا، كمنافسة لها في القرن الإفريقي، وتخشى من تأثيرها السياسي والعسكري على النظام السياسي للدولة الإماراتية. وربما يأخذ الصراع العربي الصهيوني اهتمامًا مماثلًا في المنطقة؛ إذ لا يمكن للإمارات تجاوز هذا التهديد في حال نشوب صراع عربي صهيوني في البحر الأحمر، مهما كان مستوى العلاقة الحسنة الراهنة بين الطرفين؛ إذ أنه ليس هنالك صداقات دائمة أو عدوات دائمة، بل مصالح مشتركة.
 
ولعل مما يؤكد الحسابات السابقة، قيام الإمارات، مطلع العام الجاري (2021)، بسحب قواتها من القاعدة العسكرية التابعة لها في ميناء عصب الإرتيري، وذلك وفقًا لما كشفت عنه مصادر دولية بشأن استحداثات ذات طابع عسكري في جزيرة ميَّون؛ حيث أشارت إلى أن الإمارات نقلت أجزاء من المعدات المنقولة من هذه القاعدة إلى جزيرة ميُّون؛ بينها طائرات غير مأهولة، وطائرات عمودية، ودبابات ومدرعات، وأسلحة دفاع جوي، وسفن، علاوة على الجنود. وأنها بدأت ببناء مرافق عسكرية تتلاءم مع الأدوار المتوقعة لهذه الترسانة جنوبي البحر الأحمر، الشديدة الحساسية للأمن الإقليمي والدولي.

أقرأ أيضا..
صحيفة: الإمارات احتلت جزيرة ميون وحولتها إلى قاعدة عسكرية لتمويل مليشياتها


حسابات السعودية الاستراتيجية

السعودية أيضا، لا شك أن لديها، هي الأخرى، حساباتها الاستراتيجية الخاصة في البحر الأحمر، ومنها أمن الطاقة، والتهديد الإيراني، وكذا ما يثيره التوسع الإماراتي دون أدنى شك. علاوة على تهديد الكيان الصهيوني، في إطار الصراع العربي.
 

وقد ازداد وضوح الحسابات السعودية إزاء إيران، مع سيطرة جماعة الحوثي، المدعومة من إيران نفسها، على السلطة في اليمن عام 2014؛ حيث أظهر ذلك حاجتها لبسط نفوذها في مضيق باب المندب، من خلال وجود عسكري فاعل في جزيرة ميون اليمنية، مستغلة موقعها القيادي في التحالف العربي "لدعم الشرعية اليمنية"، وبوصفها الممول الأكبر لعملياته العسكرية، التي بدأتها بما يسمى "عاصفة الحزم"، ثم "إعادة الأمل".
 

مع بلوغ التهديد الإيراني ذروته، إزاء أمن الحدود والمصالح البحرية السعودية في البحر الأحمر، عبر النشاط العدائي لجماعة الحوثي، ونشاط البحرية الإيرانية التابعة للحرس الثوري الإيراني، وسعي إيران إلى عسكرة البحر الأحمر، وتعزيز حضورها العسكري فيه، من خلال مطالباتها المستمرة للمنظمة البحرية الدولية، بتصنيف البحر الأحمر منطقة عالية الخطر، لما ينطوي عليه ذلك من تداعيات عسكرية واقتصادية وسياسية تستهدف الأمن الوطني السعودي..
 

في هذا الصدد، كشف بيان التحالف العربي، الذي نشرته وكالة "واس" السعودية قبل أيام، عن أن الوجود السعودي في جزيرة ميون هو الوحيد، وأنه يأتي في إطار عمليات التحالف العربي، نافيًا أي وجود عسكري إماراتي فاعل في هذه الجزيرة..!! إلا أن الحكومة اليمنية لم تؤكد ذلك، واكتفت وزارة الخارجية اليمنية، في الحكومة المعترف بها دوليًا، بنفي وجود أي تفاهمات رسمية تعطي الغطاء القانوني لأي ممارسات خارجية تنتهك السيادة اليمنية.
 

وفي كل الأحوال، فإن بيان التحالف نفسه أكد- ضمنيا- أن جزيرة ميون باتت، فعليًا، منطقة نفوذ سعودية، بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة، عبر وكلائها من الميليشيات والقوات، التي أنشأتها قبل ذلك الإمارات، سواء وافقت الحكومة اليمنية أم لم توافق. وبذلك تصبح الجزيرة امتدادًا عسكريًا للقاعدة العسكرية السعودية الموجودة في جيبوتي، والقواعد العسكرية السعودية الموجودة على أراضيها المشاطئة للبحر الأحمر، بما في ذلك جزر فرسان.


- فيديو :


مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر